(أما أنا يا صديقي فأريد أن أستريح قليلا من وجع الايديولوجيات ، وأسرق لحظة فرح مع عشاق الكرة ). ح . ي
كم هو صعب أن تكتب عن شخص أُعجبت به، لأنه استطاع بحنكته وذكائه أن يُشعل الفرح في المغرب من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. بل أشعله في الدوحة، وكل المدن العربية، وأينما تواجدت الجالية المغربية في الخارج.
لا أتوفر على معطيات كافية لرسم بورتريه يليق بمكانته. فقط استمعت لشريط فيديو قصير مدته اقل من ثلاث دقائق، عثرت عليه في وسائط التواصل الاجتماعي.
يحكي فيه وليد عن الحياة الصعبة التي عاشها في طفولته ثم شبابه، فأدركت السر الذي جعله يكسب ثقة المسئولين واللاعبين، وحب الجمهور المغربي. إنه الدم المغربي الأصيل الذي يجري في عروقه. عرف كيف ينقل العدوى إلى الفريق، ثم الجمهور.
وليد يحب الجمهور المغربي، ويستمع لنبضاته، ويتفاعل معه بصدق وصراحة، ويتفهم خيباته وتطلعاته، لأنه تربى في أسرة قدمت من القاع الشعبي للشمال المغربي، واستقرت بعيدا في فرنسا.
يحكي بأن والدته عملت كمنظفة في أحد المطارات لمساعدة والده في تربية ستة أبناء، في وقت كانت التقاليد ترى في عمل المرأة نقيصة. يحكي بمرارة بأنه في سن الثامنة عشرة كان في حاجة إلى المال، فعمل بجانب والدته لمدة شهر ثم توقف.
كان العمل شاقا، يبدأ مع العاشرة ليلا، وينتهي في السادسة صباحا. يعود إلى البيت، وعليه أن ينام ست ساعات أو أقل. يستيقظ، يتناول الطعام، ثم يداهمه الوقت، فيذهب إلى العمل. لا وقت للعب الكرة.
أدرك حجم التعب والمعاناة التي تقاسيها والدته في صمت وصبر لمدة تفوق العشرين سنة، من أجل أن توفر له ولأخوته الحد الأدنى من شروط الحياة في مجتمع العلاقات الإنسانية فيه باردة مثل الثلج.
اشتغل .. تعب هو الآخر وصبر. لعب لعدة فرق في فرنسا، ثم لعب للمنتخب المغربي. درب فريق الفتح، بعده انتقل إلى قطر، ثم عاد إلى المغرب، درب الوداد، وحاز معها كاس بطولة أفريقيا. قبل التحدي عندما نودي عليه قبل أربعة أشهر لتدريب المنتخب الوطني. أدرك بالتجربة أن لعب الكرة أسهل بكثير من تنظيف أرضية المطارات من العلك.
وبعد التكوين الذي تلقاه في مراكز التدريب طور الرجل إمكانياته. لكن كان لتجربته في الحياة لمسة خاصة أعطت بعض الملح لقيادته المنتخب الوطني. (طاح الحك ولقي غطاءه)، ما كان ينقص المنتخب وجده.
قائد يقف خلف خط الشرط. وأنت تتابع تحركاته تراه ينفعل، فيضرب بقنينة الماء أرضا، أو عندما يسجل الفريق هدفا يجري بفرح من غير أن يشعر لمعانقة اللاعبين، أو يتوجه إلى الجمهور، ويطلب منه ترديد لازمته المحببة :(سير ـ سير) .
قائد عرف كيف يُشعل في لاعبيه نار الحنين إلى الجذور، ويُحرك نبض الدم الوطني في عروقهم. يدافع عنهم ويصفهم بالرجال (مرضيين) الوالدين. وأعتقد جازما بأنه كان من وراء موقف الجامعة المغربية بإرسال الأسر الصغيرة للاعبي المنتخب الوطني إلى قطر لمتابعة مباريات المغرب بالقرب من أبنائهم.
يضيف في الفيديو القصير بأنه اليوم عندما يدخل مطارا ليسافر إلى هذا البلد أو ذاك، ينظر دائما إلى العلك الذي يُرمى، ويلتصق بالأرض، ويتذكر بان والدته كانت تأتي في المساء لتنظفه طيلة عشرين سنة أو أكثر.
بين المهمة والكرامة شعرة، يحددها وليد في استعداده للعودة إلى(الميناج) .
أحببت الاستماع إلى تصريحاته، وهو يتحدث الدارجة المغربية بلكنة المهاجرين الممزوجة بدم أهل الشمال. وأضحك عندما ينقل الوصف الذي يُطلقه عليه البعض، فينعته برأس (لافوكا).
وليد مدرب يجري دم الوطن في عروقه، وليد يصنع الفرح مع فريقه ويتقاسمه معنا، ويعرف جيدا بان طريق المجد شاق، وليس دائما مفروش بالورد.
مراكش 28 نونبر 2022
” وليد الركراكي” ينتمي إلى ذلك الجيل المهاجر الذي رأى النور في بلد المهجر، وعاش حرمان دفئ الوطن الأم وعانى من أجل إثبات الذات بعدما عاش طفولة ” بئيسة” وسط عائلة تستطيع بالكاد توفير العيش الأدنى لافرادها. إذن كان لابد من الدراسة والتعلم لأجل شق طريق غير طريق الأبوين. ومثل ” وليد” هناك الآلاف الذين وصلوا إلى القمة. ومايثلج الصدر ان هذه الشريحة تبقى متعلقة بالوطن الأم وتعيش افراحه ومعاناته وهذا التشبت بالجدور ناذر في أماكن أخرى من العالم.
شكرا جزيلا أستاذنا الفاضل على مشاركتنا قصة هذا ” البطل ” المغربي.
وبالتوفيق للفريق الوطني المغربي في ما تبقى من مباريات كأس العالم.