
نموت فجأة ليحيا فينا شخص آخر فجأة أيضاً.. نموت لنكون من جديد.. فما نحن إلا مزيج من الموت والحياة.. هذا الموت هو كالانتقال إلى بيت جديد.. فنودع نفسنا القديمة لنستقبل نفسنا الجديدة التي ستموت لاحقا هي أيضاً مع كل تغيير وكل ريح تعبرنا وتبعثرنا..
والأجمل في هذا الموت هو ولادة (أناً ) تشبهنا أكثر.. ومع كل ميلاد تصبح (الأنا) أقوى فينا.. فندفن تلك القديمة لنتعايش مع الجديدة.. ونتوقف حينها عن النحيب على أطلال العمر وكل ما مر بنا من حلو ومر.. نخرج من أسر الماضي.. فكل شيء يمضي.. لا شيء يبقى على حاله.. عبور يعبرنا دون توقف.. يقلقنا.. نشعر وكأننا في سباق مع الزمن نحاول أن نمسك بخيوطه دون جدوى.. تغيير لابد منه.. موت وميلاد جديد.. فلا ماض يمكن أن يأسرنا ولا مستقبل يقلقنا.. لحظة هي فقط كل مانملكه ويملكنا.. وتعبرنا نظرات الخائفين من هذا العبور ومن رهبة الميلاد الجديد.. فينقبض القلب لهم وعليهم.. مكتوب علينا أن نتغير.. أن نكبر.. فلنعش هذا العبور بكل ما فيه..
تعبرنا الفصول والأيام.. تعبرنا الأفراح والهموم.. بكثير من الضباب وبعض الأمل.. وكمٍّ لا يحصى من الوعود.. تعبرنا السنين.. فنودع بيتا.. ونسقبل خيمة.. نودع حرية ونستقبل سجناً.. نودع قطعاً من القلب إلى الأبد..
وتعبرنا الآلام ويعبرنا الحنين.. تعبرنا السنين.. فتعبرنا الثواني والدقائق والساعات والأيام كالرصاص.. ونعبر معها إلى غربة.. إلى غصة .. إلى حضن.. إلى رغبة.. فنتأقلم مع درجات الحرارة ودرجات الفرح.. كالمشي بالكعب العالي على أرض من طين.. وبعد زمن من العبور.. نحاول التنفس.. فيعبرنا من جديد وجه وحش استفرد بما تبقى منا.. فيعبرنا التاريخ لنصبح تاريخاً من القهر..
ونعبر إلى الضفة الأخرى منه.. فنخترع الفرح.. نخترع الابتسامة.. ونخترع الأمل.. لنحيا على أمل انتظار ما لا نعرفه.. كلنا ننتظر.. ننتظر تغييراً.. فرحاً.. حلما.. ننتظر العالم أن ينظر إلينا مرة.. ننتظر فلولا الانتظار لتوقف فينا النفس..
صرنا ننام ونستيقظ على أمل..
ووعد منا لكل انتظارنا أننا سنبقى على أمل..