** بدايةً من هو عاطف محمد عبدالمجيد؟
* عاطف محمد عبد المجيد، ببساطة شديدة، إنسان عادي جدًّا، يحب الحياة، يحاول أن يحياها كما يريد، دون أن يُزعج أحدًا أو يُزعجه أحد، ويمارسها كما يمارس هواياته التي يعشقها، وتساعده كثيرًا على تحمّل آلام الحياة ومآسيها ومطباتها التي تحاول جاهدة أن تكسره أو تُسْقطه أرضًا. عاطف محمد عبد المجيد يكتب الشعر ولا يُطلق على نفسه لقب شاعر، حتى بعد أن أصدر أحد عشر كتابًا شعريًّا، كان أولها في العام 1997 وصدر بعنوان ” بعض من قصائده “، وآخرها كان في العام الماضي 2021 وعنوانه ” لمْ أعدْ مؤمنًا إلا بي “.كذلك يترجم ولا يطلق على نفسه لقب مترجم، حتى بعد أن أنجز ترجمة سبعة عشر كتابًا، ما بين شعر، رواية، مجموعة قصصية، كتب أطفال وحوارات. وإلى جانب الشعر والترجمة يكتب المقال الأدبي والسياسي ويبدي رأيه المتواضع، وحسب ذائقته، في ما يصدر من أعمال إبداعية.أما رحلته الإبداعية فكلها تعب وجهاد من أجل تحقيق الذات الإبداعية، والوقوف جنبًا إلى جنب بجوار الكبار الذين سبقوه في مجاله، مع البحث عن مكان يخصه وحده، ولا يبالغ حين يقول إنه عانى كثيرًا، وواجه وجابه عوائق ومطبات خرسانية وُضعتْ في طريقه، استطاع بفضل الله أولًا، وبما منحه من طاقة وقدرة، وصبر ومثابرة وإصرار، أن يتخطاها ويصل إلى ما أريد.
** ماذا عن بدايتك ودخولك إلى عالم الشعر؟
* لقد بدأتُ بكتابة القصيدة العمودية التقليدية، وجمعت ما كتبته في مرحلة بداياتي في ديواني الأول ” بعض من قصائده ” الذي صدر في العام 1997، وقت أن كنت طالبًا في السنة الرابعة في الجامعة، ثم بعد ذلك انتقلت إلى قصيدة التفعيلة، مع رجوعي بين الحين والآخر إلى كتابة القصيدة العمودية. ومؤخرًا دخلت بهو قصيدة النثر.في شعري أهتم بالإنسان، بمشكلاته، بعذاباته، بأفراحه، ربما أكون قد وُفقت في التعبير عن هذا، وربما يكون غير ذلك.
** ما الديوان الذي تستطيع أن تقول إنه غيّر مجرى النهر في حياتك؟
* إذا كنت تقصد ديوانًا لي، فديواني الذي غير مجرى حياتي هو ديواني” لماذا أنت دونهم؟ ” إذ وضعني وحجز لي مكانًا صغيرًا على خارطة الشعر العربي. أما إذا كنت تقصد ديوانًا لشاعر غيري، فدعني أقول لك إن أي نص شعري جميل قرأته، ساعد في تغيير مجرى حياتي ولو لبعض الوقت.
* * ماذا أضافت إليك الترجمة كشاعر؟
* أنْ تترجمي يعني أنْ تدخلي إلى عوالمَ أخرى، أنْ تفتحي عينيك على سماواتٍ وفضاءاتٍ ثرية بثقافاتها وآدابها وأفكارها وبكُتَّابها في آن. لقد أتاحت لي الترجمة أن أقرأ أولاً، في رحلة بحثي عن نصوص أقوم بترجمتها، نصوصًا وكتاباتٍ لمبدعين من فرنسا، من سويسرا، من النمسا، من أمريكا، من ألمانيا، من الجابون، من غينيا، من الكاميرون، من الصين، ومن اليابان أيضًا ومن غيرها من بلدان العالم الأخرى، عن الفرنسية وحدها. ولا شك في أنّ مجرد قراءة نص لكاتب آخر يضيف إلى خبرة الكاتب عمومًا شيئاً ما بعيدًا عن كون النص جيداً أو سيئاً. وأنا كشاعر أحاول أن أفتح عينيّ على اتساعهما على نصوص الآخرين لتصيبني الغيرة حين أجد نصاً فارقاً فأُحفّز نفسي على إنتاج نص يحاول الاقتراب من الاكتمال. هذا إضافة إلى أن الترجمة هي، بدايةًً، تدريبٌ على اللغة، على كيفية صياغة الجملة الشعرية أو النثرية، مما يساعد على جعل التعامل مع مفردات الجملة شيئاً يسيرًا. باختصار الترجمة تتيح لي ما تتيحه حديقةُ فاكهةٍ متراميةُ الأطراف لداخليها.
** أصدرت حتى الآن ما يقرب من ثلاثين كتابًا في مجاليْ الشعر والترجمة..كيف تناولك النقد؟ وهل أنت راض عن هذا التناول؟
*بعد ثمانية وعشرين كتابًا صدرت فعليًّا، وأنتظر صدور مجموعة قصصية وكتابًا مترجمًا للأطفال، ومئات الإبداعات المنشورة في كبرى الدوريات المصرية والعربية المتخصصة، لم يفكر إلا نقاد قليلون في الاقتراب نقدياً من أعمالي. ولستُ حزينًا من هذا أو بسببه، لأنني أدركت مبكرًا أن ما يحكم الحركة النقدية وخاصة في السنوات الأخيرة هو مبدأ المصلحة والشللية ، باستثناء قِلّة من النقاد المحترمين.ومما يُؤْسَفُ له أن نقاد كثيرين يكتبون عن إصدارات متواضعة للغاية في حقيقتها، لكنهم يصفونها بالأعمال العظيمة، في الوقت الذي توجد هناك بالفعل أعمال عظيمة، لكنهم لا يقتربون منها، لأن أصحابها ليسوا من معارفهم، أو ليس لديهم مصلحة يتبادلونها معهم. بالفعل حالة النقد ” قد ” يُرثى لها.أما عن رضاي أو عدمه عن هذا التناول، فلن يؤخر أو يقدم، بعد أن أقْلمْتُ نفسي على عدم انتظار ما لا يجيء، خاصةً وأنا أمارس الكتابة، منذ أن دخلتُ إلى عالمها، من قَبيل المتعة أولاً وأخيراً، غير أن ما هو أهم من النقاد أنفسهم، هم القراء الذين ألتقيهم في أماكن عديدة، من دون ترتيبٍ للقاء، ويخبرونني أنهم يتابعون كتاباتي منذ سنوات، مُعبّرين عن إعجابهم بها. إن ما يسعدني أكثر، ليس ما سيكتبه الناقد عني، إنما أسعد حين أضع اسمي على محرك البحث ” جوجل ” وأجد أحدهم يضع، دون أن يعرفني شخصيًّا، بعضَ قصائدي في مدونته تحت عنوان: من أجمل ما قرأت، وهذا يحدث معي كثيرًا.
** هل يدعو مستقبل الشعر إلى التفاؤل ؟
*لابد لنا من أن نتفاءل، حتى نتمكن من الدفاع عن صرح الشعر، الذي يُحَارَبُ من كثيرين الآن. لابد أن نتفاءل حتى لا ننهزم في معركتنا ضد كارهي وأدعياء الشعر.
وفي واقع الأمر ليس لنا إلا أن نتفاءل، لأننا لو تسرب الإحباط إلى داخلنا، فستكون العاقبة وخيمة. علينا أن نتفاءل ونحاول، كلٌّ قدْرَ ما يستطيع، أن نُجنّبَ مدينة الشعر الانهيار.
* أيهما أحب إليك: لقب الشاعر أم المترجم؟
** بالطبع أحب لقب الشاعر بداية ونهايةً، لأن الشعر هو ابني أنا الشرعي، أما نصي المترجَم فهو ابن المؤلف في المقام الأول، كما أنني لولا الشعر ما تجرأت ودخلت ميدان الترجمة. الشعر هو الذي صالحني على اللغة، وجعلها سهلة طيّعة في يدي، وهذا ما جعلني لا أعاني كثيرًا وأنا أمارس فعل الترجمة. وهذا أيضًا ما جعل كثيرين يقولون عن نصوصي المترجمة بعد أن يقرأونها كما لو أنها كُتبت باللغة العربية.
** متى تكتب القصيدة؟
* ليس هناك وقت أنسب لكتابة قصيدة، غير وقت اكتمالها بداخلك، إذ في هذه اللحظة فقط، تخرج القصيدة مكتملة، وربما لا تحتاج إلى تنقيح. غير أنك حين تفكرين في كتابة قصيدة قبل اختمارها بداخلك، فسوف تولد ولادة قيصرية، وربما يموت جنينها لحظة مولده.
** هل تحب كتابة القصائد القصيرة أم القصائد الطويلة ؟
* في الحقيقة أنا مغرم بكتابة القصائد القصيرة، التي تنبني على تقنية التكثيف، وهنا يظهر التحدي، إذ كيف تنجح في كتابة قصيدة قصيرة تقول من خلالها أشياء كثيرة. نعم أنا مغرم منذ بداياتي بالقصيدة القصيرة، أو قصيدة الومضة التي أقول كل شيء فيها من خلال مفردات قليلة، لأنها لا تأخذ وقتًا من القاريء، ولا يشعر معها بالملل الذي قد تُحْدثه بعض المطوّلات من القصائد الأخرى.
** أي أنواع الشعر تفضل كِتابته: ( الغزل)، ( الرثاء )، ( الهجاء )، ( المديح )…؟
* أنا فقط أفضل كتابة القصيدة الإنسانية، التي تمس مشاعر الإنسان من الداخل، وتعبر عن همومه ومشكلاته، بعيدًا عن التصنيف. ثم لم يعد هناك داعٍ لهذا التصنيف الذي لم يعد يهتم به كثير من الشعراء، خاصة أولئك الذين أخذوا على عاتقهم أن يدافعوا عن الإنسان وعن قضاياه، وخاصة في زمن تلاشت فيه الحواجز بين مختلف الأنواع الإبداعية.
** أيهما أصعب بالنسبة لك: كتابة القصيدة أم الرد عليها شعرًا؟
* المسألة ليست في صعوبة هذه أم تلك، ولا في سهولتهما. الحقيقة أن كتابة قصيدة للرد على قصيدة أخرى قد تصبح، في أغلب الأحيان، نوعًا من ” التفصيل ” الذي يشبه معظم قصائد المناسبات التي تفتقر إلى المشاعر، ولا يمكن تصنيفها إلا تحت باب النظْم. أما قصيدتك أنت التي تكتبها لأنك تريد أن تكتبها، فالصعوبة ليست في كتابتها، إنما في التهيؤ والاحتشاد لها.
** كيف تعلمت كتابة الشعر؟
* بعيدًا عن غرابة السؤال، الشعر ليس صنعة أو حرفة يمكن لأحدنا أن يتعلمها في ورشة أو في مدرسة. الشعر موهبة يُولد بها الشاعر، وتظل تنمو داخله إلى أن يجيء الحدث الذي يُظهرها ويفجر مفرداتها داخل الشاعر، ليبدأ في ممارسة كتابة الشعر، والانتباه إلى ما يمتلك من كنوز لا يمتلكها كثيرون غيره. لكنك إن كنت تقصدين من سؤالك كيف تعرفت إلى الشعر، فقد تعرفت إلى الشعر بداية من خلال منهج اللغة العربية وأنا في المرحلة الإعدادية إذ قرأت نصوصًا لشعراء أثر بعضها فيّ وعرفت أن هناك فنًّا إبداعيًّا اسمه الشعر.
** حدثني عن علاقتك مع القصيدة؟
* هناك نصوص يأتيني مطلعها ولا أكملها خشية أن تخرج بشكل لا يليق لا بها ولا بي. وهناك نصوص يتم تمزيقها بعد كتابتها، لإحساسي أنها دون المستوى. حتى تلك النصوص التي أرضى عنها قليلا أفكر كثيرًا قبل الشروع في تكملتها. وليس هناك وسيلة لاتقاء شراسة المصافحة الأولى مع النص غير التأمل الواعي لمفردات الوجود والحياة والتي بها يمكن للشاعر أن يكتب نصًّا أليفًا، لا يؤرقه كثيرًا بعد مصافحته للورق.
** هل القصيدة هي قلعة الشاعر التي يحتمي فيها من عواصف الحزن والاغتراب، أم نافذة يطل منها على أشيائه السرية؟
* القصيدة هي كل هذا وأكثر. القصيدة، بالنسبة لي، هي الحياة بتمامها وكمالها. هي القلعة التي يلوذ الشاعر بجدرانها كي لا يفقد الأمل في الحياة، كي لا يستبد به اليأس والحزن، وهي أيضًا، كما ذكرت أنت، نافذة مُشرعة لأن يطل منها الشاعر على تفاصيله هو، وعلى تفاصيل العالم من حوله.
** للقصيدة مآزقها ومكائدها ومضائقها وكمائنها أيضًا، هل يستطيع الشاعر النجاة من هذه المكائد والكمائن دائمًا؟
* يستطيع الشاعر أن ينجو من مكائد القصيدة وكمائنها حين يكون مُسلحًا بموهبة فذة، ويمتلك فكرًا واعيًا، وتأملا مستمرًا. ينجو حين يستطيع أن يُطوّع القصيدة ويشكلها وفق ما يريد، لا حين تجرّه القصيدة لمتاهات ودهاليز، لا يمكن له أن يخرج منها سالمًا.
** هل كتاباتك النقدية تأتى كسد لحالة الفراغ النقدى التى يعانى منها المشهد الأدبى؟
* حقيقةً لا أعتبر نفسي ناقدًا، فقط، وهذه هي قناعتي، أعبّر عن ذائقتي وانطباعي عن العمل الذي أقرأه، وألجأ إلى هذا لأسلّط الضوء على مبدعين كثيرين مظلومين، تجاهلهم النقاد كبارًا وصغارًا، ولم يلتفتوا إليهم. ومن أسف ترى أن هناك كتابات قبيحة، يستكتب أصحابها بما في أيديهم نقادًا ليجعلوا منها درةَ عصر وزمان. وفي الوقت نفسه هناك كتابات راقية، إلا أنها لا تنال حقها النقدي. بالفعل هناك أزمة نقد تسببت فيها أشياء عدة، منها ما يُسأل عنه النقاد أنفسهم، ومنها ما يُسأل عنه المبدع نفسه، ومنها ما يخرج عن يد الناقد والمبدع. وفي هذا الصدد أذكر ما قالته نتالي ريش مديرة تحرير باريس ريڤيو: ” عندما تحوَّل الناقد إلى مُروِّج تجاري للكتب لاسيما الرديئة منها، خسر النقد دوره، وفشا الكَتَبَةُ الطفيليّون وذوو الموهبة الهزيلة، حتى أنهم كادوا يتبوءون الصدارة “.
** أحيل الكاتب يوسف زيدان إلى التحقيق من قِبل اتحاد الكتاب..ما تعليقك؟ وهل لديك ملاحظات على الاتحاد؟
* لست مع إحالة أي كاتب إلى التحقيق من قِبل أي جهة بسبب آرائه الفكرية أو معتقداته، بل ضد ذلك على طول الخط. غير أننا بتنا نسمع كثيرًا عن مثول الكثير من الكتاب إلى التحقيق من قبل جهات مختلفة، وهذا شيء مرعب ومخيف بالنسبة لنا ككتاب ومبدعين. كما أنه لشيءٌ لا يُحتمل أن تعيشي وأنت تخافين أن يُزج بك في السجن بسبب مقال أو قصيدة أو صفحة في رواية. ما أتمناه من اتحاد الكتاب بدلًا من إحالة الكتاب إلى التحقيق سواء من قبل الاتحاد أو من قبل أي جهة أخرى، أن يفكر القائمون عليه في كيفية إعادة الاحترام المادي والمعنوي للكتاب والمبدعين. أتمنى أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه عضو اتحاد الكتاب بالفخر لأنه يحمل كارنيه عضويته، يشعر بالأمان النفسي والصحي، يشعر أن هناك نقابة قوية وفاعلة تقف في ظهره وتسانده متى احتاج إليها، لا أن تتركه يموت مرضًا، أو يسجن بسبب رأي.
** هل لك أن تعلق لنا عن أداء قصور الثقافة؟
* من المفترض أن تقوم قصور الثقافة، كأماكن تهتم بالثقافة والإبداع، بدورها في رعاية ونشر الثقافة، ومد يد العون للمواهب الحقيقية، ومساعدتها في الظهور واتخاذ المكانة التي تليق بها. ربما يحدث هذا في عدد قليل من هذه الأماكن، غير أن الكثير منها يشهد صراعات على أشياء بعيدة كل البعد عن طبيعة دورها الذي عليها القيام به، أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع. نعم يمكن أن نطلق على بعض هذه القصور أنها عِزَب، إذ تسيطر عليها مجموعة من المنتفعين الذين يحجبون ” المَيّة والنور ” عن غيرهم، ويقومون بتقسيم ” التورتة ” عليهم هم فقط. لكن في الوقت نفسه هناك عدد من قصور الثقافة يديره عدد من المثقفين والمبدعين المحترمين الذين يجعلون من المكان بداية لإنطلاق شعلة ثقافية، ساعين إلى احتضان المواهب ورعايتها.
** ماذا ستقدم قريبا؟
* أنتظر صدور مجموعة قصصية تضم عددًا من القصص القصيرة جدًّا، كما أنتظر صدور كتاب مترجم للأطفال، وقد يصدران مع بداية معرض القاهرة الدولي للكتاب القادم.
** كلمة أخرى؟
* أخيرًا أقول لك إن الشعر هو سيد الأجناس الإبداعية، وللشاعر أن يتباهى بموهبته التي اختصه الله بها، ولا يمتلكها كثيرون. فوحده الشعر يجعلك ملكًا متوجًا في مملكة الإبداع، تتجول فيها ناظرًا للآخرين من علٍ. وحده الشعرهو الوقود الذي يُمَكّنك من مواصلة رحلة الحياة، بما فيها من مشاق ومآسٍ. إنه، باختصار، كلمة السر التي تجعلك تتحملين ما تتعرضين له من مضايقات، سواء من الحياة نفسها، أو ممن يَحْيوْنها.