•إشارات وانطباعات سريعة:
ـــ مجموعة قصصية صادرة من الهيئة العامة للكتاب 2020
ــــ تقع في 94 صفحة قطع متوسط
ـــ القصص تعالج عالم المهمشين, والبسطاء, وتحايلهم على ممارسة الحياة, ولقمة العيش.
ـــ وكأن “عتبات الظمأ” ـ العنوان, هي عتبات ظمأ هؤلاء الناس, وتحايلهم للعبور إلى حيث لقمة العيش/ وكأنها عتبات ظمأ لكتابة القصص القصيرة, معشوقة الكاتب:
( كلما انتهيت من كتابة مجموعة قصصية جديدة, أعاود وقوفي مرة أخرى على عتبات الظمأ, لسيدة الفنون” القصة القصيرة…”
ـــ في لغة فنية بسيطة, وعميقة الدلالة في آن؛ يعالج محمد الحديدي قصصه, التي يستقيها من الواقع حوله, مرة بواقعية خالصة, ومرة بإلباس القصة ثوب الفانتازيا, ومرة خليط بين هذا وذاك, علاوة على التكثيف الشديد وعدم الإسهاب, يدخل في موضوعات قصصه مباشرة, بلا مقدمات, قصص متماسكة البناء.
ـــ وكالعادة, كابوس مصاريف البيت, يقابله عسر الهضم الذي يعاني منه الولد الصغير, ملابسه القديمة, الفقر والعوز والحاجة, صداع في الرأس, ولابد أن تكون الثلاجة قديمة, والردهة ضيقة, والسرير آيل للسقوط, والأشد على نفس مأزومة كهذه, أن يعيش مع صوت انثوي جاف!, يلقى الرجل فلوسه القليلة في حجرها, ويخرج لينام عند المسجد, فيقوم من نومه وفي قبضة يده مبلغ من فلوس؛ من لانت له قلوبهم من المصلين, فيستمرئ الرجل العملية, ويتمادى في هذا الموضوع, قصة “عمل إضافي”, المسجد دائما ” الدين عموما” ملاز المقهورين, ويطلب منه زميله في العمل مبلغ 20 جنيه, فلا يرد, يقضي باقي اليوم عند المسجد, تغار عليه زوجته, ظنا منها أنه تزوج غيرها!!
ـــ في قصة ” مسألة عادية جدا” ( احتفظ لنفسك بالكبسولة المهدئة للأعصاب) , وهذه القصة تبدو وكأنها مكملة للقصة السابقة “عمل إضافي” ( فتح الثلاجة والتقط كبسولة الصداع وبلعها), البطل في “مسألة عادية” يكنس ويمسح ويفرش في الشركة, ويعمل عملا إضافيا فيها نظير بعض الجنيهات, بينما رئيس الشركة مشغول ( بالمرأة الجميلة ذات القد الممشوق), فيظل العامل حارسا على باب المكتب حتى ينتهي الرئيس من ساعة الحظ!, العامل زوجته جميلة لكنه لا يعطيها حقها الشرعي, وفي موقف عبثي, تبيت المرأة مع رجل يستأجر غرفة في شقتهم…!!, وابنته الجامعية تأتي متأخرة ليلا مع زميلها ليذاكرا دروسهما, هل للفقر جحيمه, كما للغنى أيضا جحيمه؟, لن يجد الرجل أمامه سوى أن يخرج ليعد النجوم, كما اقترح عليه السارد!
يهتم الكاتب بإبراز المفارقات بين شخوص ومواقف قصصه, وفي بداية كل قصة سنجد عتبة ظمأ.
ـــ في قصة ( تآكل) يعالج فيها الكاتب بطريقة فانتازية, المرتبة التي تتآكل تحت البطل ربما هي حياته البائسة, يشعر بالوخذ كلما نام عليها, ربما هو تآكل في صحته وعمره, وربما المرتبة هي زوجته القاسية, والتي من المفروض أنها مصدر الحنان ( كم تمنى أن تسأله عن سبب شحوب بشرته وكثرة التجاعيد فيه..), تتماهى هذه القصة من بعيد أو قريب مع قصة “المرتبة المقعرة” أذكر أنها ليوسف إدريس.
ـــ وفي قصة ” هذا الرجل” الحجرة الوحيدة, وخزات البرد, والجسد الضامر, الصغير يدق على الطبلة, بينما الرجل ينام على لوحة المسامير, في سبيل لقمة العيش ينام على حجارة ملتهبة! كل هذا لكي يُكمل ثمن غطاء يقيه هو وولده من البرد, تشخيص للمجتمع المترهل, إسراف هنا وتقتير هناك!
ـــ وفي قصة ” سفر” تأصيل لطبيعة المصري التي لاتحب الانتقال من المكان (.. والذي أعلمه أنها كثيرا ما طلبتْ من أبي أن يبقى هنا والأرزاق على الله ), والذي لم يقله الكاتب هنا, وتركه للقارئ, هو أن هذه زوجة الرجل ستظل تندب طول العمر, لأن زوجها لم يسمع كلامها ويظل في القرية ولا يسعى للرزق, وكأن سفره هو الذي قتله!, ولكي لاتعطى القصة انطباعا سلبيا عن السفر والسعي للرزق, كان من الممكن أن يأتي الكاتب ـــ وعلى التوازي ــ بمن يموت على سريره في القرية, دون مرض ولا سفر.
ـــ وفي قصة ” حبيبته” محاولة إرضاء الذات ولو بالوهم, حبيبة افتراضية اسمها ” أمنية”,تنبني عليها القصة, البطل يتوق لكي تكون له حبيبة, اي محبوبة.
( اكتب لي رسالة/ وماذا أكتب؟ أكتب .. طال غيابك يا أمنية.. حبيبك أبو المكارم)
( أكتب رسالة جديدة/ وهل وصلت رسالتك السابقة/ لا تشغل بالك/ وماذا أكتب؟ أكتب.. آسفة يا أبو المكارم ..تمنعني الظروف. لكني سألقاك في أقرب فرصة ممكنة)
قصة خفيفة الظل, محكمة البناء والدلالة, ونلاحظ أن زمن القصة في عصر الظرف والجواب والبوستة, يستدعيها الكاتب ليكتبها في اللحظة الراهنة, لازلنا ننهل من القديم, فكان من الممكن أن يجعل التكنولوجيا هى ما تكتب رسائله وترسلها, لكن من يكتب الرسائل, وصاحب الرسائل الأمي؛ لهما هنا دلالات .
ـــ تتراوح القصص بين الواقعية والفانتازية, وقد تجد فانتازي في قلب الواقعي, في قصة ” كفر الحوت”, ينعى ما حدث للقرية من متغير اجتماعي” سلبي”, فلا البيوت هي البيوت, بخيراتها, ولا الناس هم الناس, بطيبتهم, والترعة صار في مكانها سكة حديد…, فتسأل الأم ولدها, وقد خرجت من قبرها( هي دارنا راحت فين.. وفين فرن الخبيز؟ ) وهكذا راحت الأم تعدد مظاهر التغير في القرية.
وعلى هذا المنوال, ينسج محمد الحديدي موضوعات قصصه, فهو لديه خبرة حياة واسعة, خاصة قصص السرد الريفي, بكل مفردات القرية, قصص إنسانية, محورها الإنسان, ولو تكلمتْ عن الشجر والحجر.
ـــ وفي قصة ” صائد العصافير” المهداه إلى محمد عبد العاطي صائد الدبابات المعروف في حرب أكتوبر, يمهد الكاتب لبطل قادم في الحرب, طفل الابتدائي, الذي يهوى صيد العصافير, فيخرج بصحبة أقرانه للصيد, يمدونه بحبات الزلط, ثم يقوم معهم بشوائها وأكلها, فلما كبر وتخرج ” وهبت رياح الحرب “, يوازن الكاتب بين الشخصية, الطفل/ الجندي, الذي راح يقتنص الدبابة وراء الدبابة, كأنها تلك العصافير التي يصطادها من على شجر قريته, وكلما نزل فى إجازة, يقضى معظم وقته في صيد العصافير, أقرانه يمدونه بالزلط, هو يقوم بدور القناص/ وفي الحرب جنود مكلفون بإمداده بالصواريخ المحمولة على الكتف” كم يبهرك فعل الصيد الذي يجعلك مزهوا بنفسك”, وبالفعل يصير عبد العاطي أشهر صائد دبابات, فكان نجم الصحف ووسائل الإعلام أيامها.