•إشارات وانطباعات سريعة
•ملاحظات عامة:
ــــ المجموعة القصص صادرة عن الهيئة العامة للكتاب 2023
ــــ التاريخ الصوفي في حياة أهل القرى, وخاصة في الزمن الماضي, البعيد والقريب نسبيا, وإن كان لا يزال له ظلال حتى الآن عندهم, أليست مفارقة غريبة أن يتحدث المُريد اليوم في الموبايل مع أحدهم في أمريكا مثلا, بينما كان شيخه صاحب المقام يتحدث بالإلهام أو بالتخاطر؟؟
ــــ قصص تتناول جوانب من حياة القرية, تتراوح ما بين الواقعي والفانتازي, دخل الكاتب منطقة تُعتبر خلف الواقع, وإن كانت هذه المنطقة من صميم حياة أهل القرى, وهي منطقة عوالم الصوفية والموالد ومقامات الأولياء, وما يحيط بها أحيانا من الدجل والخرافة والأسطورة, دخل إليها الكاتب, ولم يتركها إلا بعد معالجة أحوالها من جهات متعددة.
ــــ شيئ عن الخروج. عنوان المجموعة وعنوان قصة/ يوميات من الخروج عنوان قصة مستقلة/ ونجد بين ثنايا القصص تلميحات كثيرة عن مضمون الخروج, بمعانٍ مختلفة: الخروج من الواقع, الخروج عن المألوف, الخروج عن الملة, المال نفسه دعوة للخروج عن الحق, الخروج من الرضا واليقين, السفر هو الحل للخروج من الأزمة, الخروج عن طاعة الوالدين وغيرها كثير.
ــــ الكاتب/ السارد هنا لديه خبرة حياتية واسعة بالعوالم التي تعرض لها ومفرداتها وخصوصياتها, اختار الكاتب أحد جوانب حياة القري الأكثر خصوصية, وحساسية, وهو جانب جدلي!!, جانب الثقافة الشعبية المرتبطة بقشور التصوف, أو التصوف الشعبي, وغالبا ـــ وكعادة كتاب السرد الريفي؛ جاءت المعالجات الفنية لمواضيع قديمة, انقرض معظمها مع التطور العلمي والتقنيات, وإن كانت روحها وممارساتها لاتزال تعشش في عقول الناس, قديما كانت تعشش في عقولهم وبين جدران كهوفهم التي كانت تأويهم, اليوم لم يعد لها مكان في المكان, في حين نجدها حاضرة في ثقافتهم الموروثة.
ــــ معظم أبطال قصص الثقافة الشعبية الصوفية أصحاب قدرات خارقة, مثلا: بطل قصة شيئ عن الخروج ( سمع ورأى مالم يره أحد ولم يسمعه أحد ) وعفيفي في قصة ماذا قالت الجن للأنس ( الأشياء تأتي له طواعية )
ـــ على مدار القصص تتعدد مفردات العالم الصوفي: التدني/ التخلي/ التجريب/ الوعد/ العهد/ الحرمان/ المخالفة/ الرحاب/ الاطمئنان/ الحب والعشق/ مراقبة النفس/ لجام النفس/ الوصول/ تقييد الهوى/ المطية/ المعارف وعشرات غيرها… ) مما يشي بالجو الروحي الذي احتشد له السارد عند الكتابة/ وهو ليس جوا روحيا تعبديا, بقدر ماهو توجهات في النقد الاجتماعي, وإعادة معالجة الأجواء الشعبية في هذا الشأن.
ـــ المقاطع أو الكتل السردية الوصفية التقريرية, والتي تميل إلى فلسفة الأمور( المقطع رقم 1 في شيئ عن الخروج كنموذج ), ربما يرمي, أو يُمهد بها الكاتب/ السارد إلى أبعاد ستأتي لاحقا في سياق السرد, لكنها تضعنا أمام اشكالية مزدوجة؛ محاولة تفسيرها حال قراءتها, وفي الوقت ذاته محاولة ربطها بالقصة والعلاقة بينهما. وغالبا: ما أسهل الوصف والسرد التأملي, وعلى جانب آخر ما أصعب المعالجة الدرامية.
ـــ الأجواء الصوفية مبنية على التدرج, لذلك نجد في مواقع كثيرة أمثلة لتدرج المعاني والحالات: الكلام معارف, والمعارف أحاسيس, وبعض الأحاسيس حب وهوى, والبعض الآخر قرب, وبعض القرب حياة, والحياة وجود/ الخروج شك والشك عورة والعورة نقيصة والنقيصة باب للفجور/ لابد له من عودة, والعودة مقرونة بطقوس يعلمها )
ــــ السارد أحيانا يُصدر الأحكام, بصفته موجها للأحداث أو بصفته في مقام البطل, وهو هنا البطل الصوفي ( الضالون فقط هم وقود التيه والشتات/ هم حطب السؤال ورماد الخروج), وهي مقولات قد تخدم المعاني التي يعالجها سردا.
ـــ القصص أحيانا تنتصر للخرافة والدجل أكثر مما تنتصر للعلم والمنطق في مواقع كثيرة/ أبو نوح.. صاحب المقام, قتل الجاموسة مع أنهم يُخرجون له كل سنة القشدة والسمنة والرز والفراخ, وفي قصة المبروك الصبي المصاب بمرض جلدي, يبرأ من مرضه بلحسة من لسان الشيخ, والزوجة تشفى بمجرد زيارتها لصاحب المقام.
ــــ الوصف يغطي مساحات واسعة على حساب الحدث والبناء الدرامي.
• قصص التصوف والتصوف الشعبي:
ــــ ( شيئ عن الخروج ), مقدمة القصة قطعة صوفية خالصة, والقصة تخرج من التصوف الشعبي, هي قصة الطريق والطريقة, واللحظة بين الشك واليقين, أو بين التشمير عن الساعد والكسل الروحي, وأسئلة القلق الوجودي, والمصير المرهون بالطاعة أوالعصيان, البطل/ المريد خرج لحظات, أو نازعته نفسه بالخروج, الخروج من “العهد”, أقام حوارا متخيلا مع شيخه, مضمونه بين المجاهدة والكسل, وكان قد قطع شوطا على الطريق( مبادئ تلقاها وعرفها وآمن بها, وتدرب على رياضتها, وبها خاض غمار الحياة والناس, حتى صار عَالما خاصا ), ويأتي له التحذير( لابد له أن يبدأ ولا يتأخر, كلما تأخر كلما كانت العودة بعيدة) ( احذر التخلي وارقب النفس تأتيك المعارف طوعا) بمعنى { واتقوا الله ويعلمكم الله }, ثم يأتي شفاء الزوجة لمجرد زيارتها لمقام صاحب الطريقة ( طاف بالمقام مصطحبا زوجته, وفي غفوة, استيقظ منها, ليجدها وقد راح عنها المرض( انحسر عن وجها الألم ), وتلك هي الجائزة/ الرسالة التي تريد القصة توصيلها للمتلقي, تشجيعا له كي يلتزم الطريق ويحذر التخلي.
ـــــ ( صلاة المعلم عبده ) الفجوة الكبيرة بين الكلام والفعل, والتركيز على المظاهر كي يضعه الناس في مصاف الأتقياء, ثم ينخرط في الغش واللصوصية, تركز القصة على النقيض إلى النقيض, يغش في تجارته, ولا يجيد أركان الصلاة, في حين يأنس بحضور جلسات الذكر( يذهب إلى الجامع ليؤدي الصلاة قياما وقعودا, وحركة! دون تلاوة أو ذكر, ويكتفي بحلقات الذكر وزيارة الأولياء, إنه الاستسهال والبحث عن أقرب وأسهل طريقة لتفادي نقدات الناس, يضل طريقه كما ضل في حياته, ثم يكون هُداه عل ضوء لمبة جاز تبدو في البعيد, لمقام متهدم, يُنذر نفسه لخدمته, يهرب من الحياة وهو صاحب العيال, يذهب المعلم عبده لخدمة المقام ( يكفيني أروح أنور الضريح وأسهر عنده/ صلاتي هناك, وذكري هناك, وشيخي هناك), إما هذه وإما هذه!, لا رهبنة في الاسلام, ولاانقطاع للعبادة, أمور الحياة حينما تستقيم فهي العبادة.
ــــ ( أبو نوح) تعاليم الطريق الصوفي, لغة تلغرافية تناسب حالات الكشف والأسرار, جاءت في هيئة الوِرد, أو الفيض الصوفي, تغلغل الجهل يجعل من بعض الناس آلهة, فأبو نوح في عرف سرحان وزوجته, هو من جعل الجاموسة تموت, ( ولو كان عايزها تعيش كانت عاشت), فكيف يتركها تموت وهما يذهبان إليه كل عام بالفراخ والسمنة والبيض وخلافه. وكما أنهم صنعوا كبيرهم وليا في قصة زئبق الخلوة/ يصنعون من سرحان وليا وعارفا بالله, تقام له الحضرة, ويُصنع له المقام, ويطلبون منه البركة, لمجرد أنه ثار وانتصر على أبي نوح, الولي, وهزمه هو وزوجته.
ـــ ( علي ابن الحج على ) سيرة ولي من أولياء الله, الكرامة والكشف ( قرأته على وجهك ورأيته حائرا في صدرك ولا جواب له عندي), الولاية يمكن أن تكون وراثة, أما التقوى فلا وراثة فيها, تنتقل مسؤلية الحضرة في مرض الولي علي بن الحج علي لمرزوق الصافي, وبعد موته لولده علي بن علي, تنتقل الولاية في سلاسة ونعومة. ولمجرد تنصيب الابن وليا مكان والده, يقصده الناس يلتمسون منه البركة, وربما كانت هذه الجزئية هي الحدث, أو هي ما تريد القصة أن تقوله.
ــــ ( الشاطر سلامة ): ولأنه طرح عدة أسئلة لمعرفة أشياء لا تفسير لها: فان التليفون يتحدث بلغة تلغرافية مشفرة, ثم ينقلب لجثة هامدة, التليفون هنا بديل الالهام أو الوحي, هاتف معنوي يأتي عبر هاتف مادي. الحوت خطف الولد, ربما هو اللص سارق الأطفال, وما راح بمعجزة يأتي بمعجزة.
• قصص عامة:
ــــ (لفافات من العجوة) الدخول في الموضوع مباشرة, العبارات القصيرة, تصوير دقيق لمظاهر المولد في القرية, الملاحظة الأولية, لمن ليس لديهم الخبرة, هي لفافات الحشيش/ العجوة كما هي في الصورة الذهنية, والمفارقة الغريبة بين لفافات الكيف والحشيش في حضرة صاحب الحضرة, الرائحة الكريهة والمألوفة كما عبَّرت القصة, وهنا نوع من الخروج, الخروج عن أخلاقيات المشهد, الموالد. خليط من مظاهر التقوى والفجور.
ــــ (المبروك) المرض والفقر وكثرة العيال, الجهل والدجل, يتحقق شفاء الصبي بلسحة من لسان المبروك, أمور دجل, قد تتحقق صدفة بالتوازي مع أمر علمي.. ثم ينتصر الدجل ويصير له الفضل والكرامة. التصوير الكاريكاتوري للصبي المريض بمرض جلدي خطير ( وجهه تحول إلى أرنب صغير, عل هيئة مثلث مقلوب, وربما الثعابين الثلاثة هي حراس البيت حتى يعود المبروك, وقد تكون حاجزا مخيفا لمنع الناس من الاقتراب من الخرافة, بعد اختفاء الشيخ.
ـــ ( ماذا قالت الجن للإنس) الوصف الهندسي للأشياء, فكما أن الولد صار وجهه مثلث مقلوب في قصة المبروك, فهنا الخلاطة مثل زواحف الصحراء, أسفلها لأعلى وقمتها تنزوي لأسفل, وصف الخلاطة والعمال وصفا رائعا, عفيفي المُتعب, الشقيان, قسوة الحياة وضغوطها, يبني بيوتا للناس بينما بيته متهدم ( نحيفا ضئيلا طويلا, لاتكاد العين تلتف حول جسده), توحُد الانسان مع الآلة ( يتحد ضجيجها مع أنَّاتهم, ويصبحون جزءا من حركتها), عفيفي الشخصية غريبة الأطوار, ينادي على الأشياء فتأتي له طواعية, تنتقل القصة من واقعيتها إلى الفانتازيا, ماذا قالت الجن للإنس؛ أي ماذا قالت لعفيفي, لابد أنها قالت له تعليمات وراء النصائح المُعلنة التي انتهت بها القصة, يلجأ الكاتب دائما لعوالم الجن, كحيلة لصنع الغرائبية والعجائبية.
ـــ ( القطة منيرة ) محكمة وبلا مقدمات, أو ترهل, القطط لها خصوصية في ثقافة أهل الريف, يكمن وراءها أوهام تستقر في ثقافات الناس, الوهم والدجل الذي اعتادوه, يخشون الخروج منه خوفا من الأذى الافتراضي.
ــــ (يوميات الخروج) الخروج هنا مادي, في حين كان خروجا معنويا في قصة شيئ عن الخروج, الشيخ مهدي أفعاله غير أقواله, ودائما يخرج عن المألوف, يلعن الأغنياء لحساب الفقراء, فالمال في عرفه دعوة للخروج عن الحق, في حين إهماله تحفيز الفقراء على العمل, والناس أنفسهم يحاولون الخروج عليه, لطريقته غير المعهودة, ويطرح سؤالا معجزا ” ماذا لو كنا جميعا فقراء, هل سيرضى الله عنا؟ فلماذا قال المال والبنون زينة الحياة الدنيا؟, ربما تتعرض القصة للخطاب الديني المريض.
ــــ ( زئبق الخلوة) كيفية صنع الزعيم أو صنع الولي, الأولاد يصنعون من كبيرهم زعيما روحيا عليهم, لف أحدهم قميصه على رأس الصبي كبيرهم, فطفق باقي الأولاد يلفون قمصانهم حول رأسه أيضا, وبلا تفكير, صارت له عمامة ضخمة, أحاطوه بالمهابة والإجلال, ثقافة القطيع, فعاش هذا الصبي “الكبير” الدور فبدا كلامه تلميحا وإشارة.
القصة مليئة ومكتظة بالرموز حتى تاهت فيها مفاتيح التأويل: جماعة تطارد الحشرات والزواحف/ وجماعة الذكر/ الخلوة / الرجال الأشداء/ الوطاويط/ حشرة أبو فلوس تتغذي عليها الوطاويط/ النمل الأسود يتغذى على حشرة أبو فلوس/ الصبي كبير الصِبية الذي نصبوه زعيما أو وليا, الشيخ المهاب ذو اللحية الطويلة/ أكياس الحلوى الناشفة والنعناع اللازع/ خيوط العنكبوت تصطاد الحشرات الطائرة/ الشيخ البنان والدكتور سمير, اللذان وردا في نهاية القصة في إشارة عابرة, ولم يكونا من صلب أو من هامش سياق القصة, ولم يظهر لهما أي دور/ المرأة الشقراء وسيارتها الداكنة, وفي النهاية نعرف أن زئبق الخلوة هو الفضلات التي تُخرجها الوطاويط.
*****