( بعض التماهي بين الديوانين. والنصوص الواردة بتصرف شديد)
أولاً: ظاهرة التكرار للتأكيد وتقليب الأمور على أكثر من جانب.
• قصيدة (أنشغلُ اليوم ) من ديوان ( جسد للبحر رداءُ للقصيدة)
{ الشاعر يشغل نفسه بما ينشغل به الناس من أطياف مختلفة, ومما تحمل المعاني المجردة, فانشغالها بما تنشغل به, لا قيمة له أمام اهتماماته, وهو سوف يرد عليهم بفلسفته ورؤيته الخاصة, والتي يراها هي القيمة العليا, التي يجب الانشغال بها )
ــــ أنشغلُ اليومَ بما ينشغل به العاطل عن الصمت
( نعم, فهو سينشغل بالثرثرة للأزهار عن سيرة المطر)
ــــ أنشغل اليوم بما ينشغل به العاجز عن الكلام
( سيحلم: ببلاد من فراش, بجنة من أنهار وطيور, بمرج واسع من خضرة, بوطن بلا حواجز)
ــــ أنشغل اليوم بما ينشغل به نافخ الكير
( سينفخ في أيامه على جمر الأمل / ويكتفي بحكمة الحديد المصهور)
ــــ ….. بما ينشغل به المؤذن
( بدلا من الأذان سوف يصيح في العتمة, باحثا عن نفسه, من أنا أيها الصمت)
ــــ … بما ينشغل به المصور
( سيطبع عمر بلاده على طابع النسيان, ويمسح كلام الأجداد عن وجه الغبار, لاحظ المفارقة, فبدلا من مسح الغبار سيمسح كلام الأجداد عن وجه الغبار, وربما بهذا يكون قد مسحهما معا, فلا قيمة لا لهذا ولا لذلك )
ــــ بما ينشغل به النحات / الزنجي/ السجين/ الطحان.. وللشاعر رؤية وفلسفة عن كل منهم .
ــــ بما ينشغل به العبقري
( سينام تحت الشجرة, لعلها شجرة نيوتن, ينتظر سقوط نجمة, ربما يكتشف فيها سر السماء)
ــــ بما ينشغل به الوثني
( سيعبد صنم الحرية, ومنه سيتوصل للإيمان !!)
• قصيدة (سلالتي الريح عنواني المطر) من الديوان حامل هذا العنوان
{ البحث عن الذات وعن الهوية وعن الأصل, الإحساس بالضياع}
لعلي في نسغ الصنوبرة أو الأَرزة
لعلي من أسلافِ مغولٍ
لعلي من سلالةٍ آشورية
لعلي من أممٍ كثيرة ورجالٍ كثيرين
لعلَّ لي جداتٍ روسياتٍ وعماتٍ أسبانيات
من يدلني عليَّ
وفي قصيدة ” أنشغل اليوم” حينما انشغل الشاعر بما ينشغل به المؤذن ( راح يصرخ في العتمة, باحثاً عن نفسه ” من أنا أيها الصمت”)
• قصيدة (تناثري ياموسيقى الزوبعة) من ديوان (جسدُ للبحر . رداء للقصيدة)
سأدفعُ هذا العام إلى العام الذي يليه
سأدفع هذا العام إلى مصطبة الماضي
سأدفع هذا العام إلى ركن قصي في الذاكرة
سأدفع هذا العام إلى العام الهجري الوحيد
أيها المايسترو الحامل عصا الريح
تخفف من آلات القرع
ليس مناسبا دقُ طبول الحرية
في ساحات الذبح المكشوفة للذباب
أيها المايسترو السريع البديهة
أيها المايسترو ….
• قصيدة ( يدُها للنهر) من ديوان ( سلالتي الريح عنواني المطر )
ـــ جاعلا من رأسي تلك الحكمةَ التي لاتليق برجل معطوب
بندولُ الساعةِ يقطعُ جلدَ السرطان
خط الاستواء يجزُ فكَّ الافريقي الجوز
ـــ جاعلا فضائي ممراً لليوم
سريراً للغرباء
ــــ جاعلا من وصايا الأبِ حاجزاً للخيانة
خريفا للخديعة
عفنا لتفاحةٍ صدئة
• قصيدة ( وأنا ميت ) من ديوان ( جسدُ للبحر. رداء للقصيدة )
وأنا ميت
أرى ما لايُرى
وأنا ميت
تحت ترابٍ باردٍ ورطب
أُدوّرُ على ملاكي فلا أجدُ تفاحةً أو سوطاً
ونسيتُ أن آخذَ صورتي معي
لأُضيفها على بطاقة التعذيب
وأنا ميت
أفتشُ بعيني عن الدود
عن حقي في تكذيب المواعيد
عن طرف شال أمي
وعن رائحتها
ما فائدةُ الموتِ
ياموتُ
إن لم أجدْ أمي في انتظاري
ثانياً: عن مليحة والدة الشاعر في الديوانين:
• في ” سلالتي الريح. عنواني المطر” ( أقلٌ مما يُحبِّذُ المزمار)… مارس 2004
يشعر بمسئوليته نحو القضية, يغازلها / يمجدها: فهي دفقة الخلق/ النائمة الجميلة, وخمائل المجرات/ بأصابعها الغضة/ القريبة من المجدلية, ينتفض على الظلم/ يشعر بالعجز, فيخاطبها باسمها “يامليحة”, حين يطلب منها السماح/ ويخاطبها “ياامرأة” فهي التي حملته قبل أن يري المهانة, وحين يعترف بعجزه يخاطبها ” يا أمي”:
ــــ انفردي بالعذوبةِ
تلك التي تُضاحبُ الغزالة / تسابقُ النسيم
ــــ سامحيني يامليحة ــــــ
ــــ سامحيني فلم أستردُ الطاعةَ بعد رحيلك
ــــ سامحيني ياامرأة
حملتني قبل أن أبصرَ المهانة
ــــ سامحيني أيتها النائمة الجميلة
تحت طين الذكريات
**
ــــ سامحيني يا أمي
لم أخطف الشمسَ بعد
ـــ سامحيني يامليحة ــــــــ
تحت عينيكِ أقيمُ خرابي
ومن بين يديكِ أصنعُ تماثيلي
تعتريني رعشة الله
وأنا أعود إليكِ
سامحيني . أنت لاتُحبينَ إزعاجَ الخالق
• في” جسدُ للبحر.. رداءُ للقصيدة” (مدرسة السمُوع ) أكتوبر 2013
هنا يستدعي مرحلة الطفولة, ومشوار المدرسة, يطالبها ــ وهو الطفل ــ أن تقوم بدورها, هو يرى أن لها دورا اسطوريا, بل ربما يحكي ما كانت تفعله بالفعل دون مطالبة من أحد, ليصير فعل الأمر لأمه ظاهرة في هذا الديوان بهذا الشكل: اغزلي/ أضيفي/ اربطي/ واصلي/ مثلما فعل في القصيدة السابقة من سلالتي الريح: امتزجي/ امتدي/ التبسي/ تكللي/ عمريني/ امنحيني.
أيها الشعرُ ياربيبَ روحي
يامقعد الطفولة في مدرسة السمُوع
ياوجه المعلم المتأنق
يالطول الطريق الممتد من البيت حتى مغزل الحاجة مليحة ـــــــــ
اغزلي يا أمي غزلَكِ الكنعاني
اربطي لون البحر بلون التراب
حكمةُ الاغريقيات بإبرة الفلسطينية
( ولما تباعد العهدُ بينه وبينها, هنا صارت الأم “الجَدةُ “, فراح يعترف لها, بأنه استعاض عن آثارها بآثار من أشجار يتميز بها الوطن, فالأم/ الجدة. صارت ترابا, أما تلك الأشجار فهي ممتدة, وتتناسل كما تناسلنا منها)
ياوجهَ الجدة البعيد
لم أحتفظ بخيوط ثوبك المعفر بغبار الدهور
احتفظتُ بصوت بقايا أوراق التين والعنب.
وبعد كل هذا؛ سيكتب موسى حوامدة ويرمي في البحر, فلا شيئ جدير بالاهتمام, عنوانان لقصيدتين في ديوان جسدُ للبحر. رداءُ للقصيدة