هي ثلاث وقفات ادبيّة.. اثنتان منهما من الأدب العربيّ، وواحدة من الأدب العالمي وقد ترك كلّ منهم إرثاً عن ثقافته، وادبه، وحياته، واثّر في اجيال تبحث عن الأدب بمساحة ادبيّة واسعة؛ وغاية الأمر إنَّ ما سنعرضه من وقفات قد تكون مجدية للتساؤل المطروح ماذا في خبايا هؤلاء.؟
في وقفتنا الأولى نجد إنَّ الشاعر ابا العلاء المعرَّي المشهور بشاعر المعرَّةقد شهد له الأدب العربي بما تركه من آثار في مرحلة شبابه، وفي كهولته قد حصل على نقطة الضوء الأخضر شاعر الفلسفة ورهين المحبسين، وصاحب” سقط الزند، واللزوميّات” وغريب اللغة والبلاغة وجناسه ومن حكمِه قوله
يا امّة مِن سفاه لا حلوم لها ما انتِ إلاّ كضأن.ٍ غاب راعيها
تدَّعي الخير فلا تُصغي له اُذناً. فما ينادي لغير الشّر ناديها
او يقول:
ضحكنا وكان الضحك منّا سفاهة. وحقَّ لسكّان البريّة ان يبكوا
تحطّمنا الايام حتّى كأنَّنا. زجاج ولكن لا يُعاد ُ له سبك
واذا كان الشاعر المعريّ قد صاغ ابيات من وجع ما عاناه، فكيف بنا اليوم ونحن في عصر التواصل الإجتماعيّ؛ وما نجده من احداث إجتماعيّة تضحكنا وتبكينا في وقت واحد، وتدخل جزئيات حياتنا من تغيّر في الطبائع و المغامرة وحتَّى ان فوضى الاشياء قد تجلّت ملامحها في وقفتنا عند المعريّ.
ويطلُّ علينا أديب من حي (الكيلو) عند صعيد مصر تبوَّأ مكانة في الأدب العربي، وقد صقلت موهبة الأديب بعدما أقصى العمى عن وجهه الحياة، وقد تمثَّلت له في امَّات الكتب والتي تخمّرت في عقله. وكان من ثمرات المطابع له في السيرة كتاب الايام، وعلى هامش السيرة، والمعذّبون في الأرض، ودعاء الكروان في الرواية.. وترأس تحرير مجلة الكاتب المصري عام ١٩٤٥. وعندما وصل إلى أبواب وزارة المعارف كانت مقولته(العلم كالهواء والماء وهو حقُّ لكلّ البشر)
أ ليس الضوء الأخضر كان في مربّع المساحة الادبية لعميد الأدب العربي من وقفتنا الثانية.
امَّا وقفتنا الثالثة فهي من الأدب الأرجنتيني يطلّ علينا الكاتب بورخيس والذي فقد بصره في سنّ صغيرة، وقد أتقن عدّة لغات، وبدأ الكتابة في سنّ مبكرة قرأ وترجم وتولى إدارة المكتبة العامة في بلده.
كان الخيال عنده مزيجاً من الذاكرة والنسيان يقول:(نحن بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفضاعات التي تفرضها علينا الاشياء) فنارات في القصة والرواية/حسب الله يحيى ص٩٤
كما تحدّى نفسه بعد فقدِ بصره، وقد صرّح قائلاً(إنني أشعر كما لو إنَّ جدران الإسمنت تتساقط عندما احدّق فيها إنَّها الحاسة السادسة او السابعة كما يقولون.) _فنارات في القصّة الرواية /حسب الله يحيى ص٩٥.
وقد كتب بورخيس عن هذه المفارقة قصيدة… الهبات :
ما منْ احد يجب أن يقرأ الشفقة
او اللّوم في هذا البيان لجلالة اللّه
هو الذي بمفارقته وهبني الكتب
والعمى في لمسة واحدة
ها هو الشاعر يقرُّ أنَّ شفقته في الحياة قد جعلت لمسة الكتب والعمى من لحظة واحدة. كما إنّنا نسمع آراء وحكايات عن الحاسة السادسة. وهي أقرب للعلوم والتقنيات إلاّ إنَّ دعوة الروائي والكاتب بورخيس قد فاقت مانجده اليوم.
وبعد فهل في الوقفات الادبيّة ما يفتح لبعض العقول التي تجافي الكتاب او المجلة والجريدة، وتحسب ذلك في خبر كان، ثغرة في مفسدة الفراغ او تقول لهم تلك الوقفات كما قال ارسطو/قل لي ماذا تقرأ اقل لك مَنْ انتَ.