قبل البدء:
العتبات كما يشير النقاد المنظرون، هي تلك النصوص المصاحبة أو الخطابات الموازية للمتون التي تشكل حمولة كتاب ما. وقد توسّع النقاد في تعريف العنوان، وفي تنظيرات علم العنونة، ومن الصعب القبض على تعريف جامع مانع للعنوان رئيسيا كان أو فرعيا. ونختار بعض التعريفات التي يكاد يتفق النقاد على شمولية فحواها. حيث عرّف (ليو هوك) العتبات، بأنها( مجموع النصوص التي تحيط الكتاب من جميع جوانبه) .
وتتمثل هذه العتبات في صورة الغلاف، ومحتوياتها الفيزيقية والدلالي والسيميائية، والعناوين والإهداءات والتصديرات والافتتاحيات من ومسكوكات نصية (من أشعار ونصوص مقدسة وحكم وأمثال وحتى بعض الصور، بالإضافة إلى المقدمة والعناوين الداخلية. وقد لا نجد هذه العتبات مجتمعة في عمل واحد. قد يكتفي بعض الناشرين والمؤلفين بالأهم دون المهم
وتأتي دراسة العتبات كونها نصوصا لا تقل أهمية عن نصوص المتن، ولا يمكن تجاوزها دون النظر فيها وفحصها بنية ودلالة. فهي محطة عبور إلى المتن. وإهمالها يعرض المتن إلى الغموض، وقلة الفهم إن لم نقل يعرف انزياحا سلبيا.
أهمل الدارسون القدامى دراسة العنوان وقصروا جهودهم على متون الأعمال أو على عوالمها الداخلية. مما حوّل تلك العتيات إلى فضلة في الاهتمام والدراسة حتى وإن كان الاهتمام ببنية العنوان كعتبة أولى تسترعي انتباه المتلقي، حيث كان العنوان – رغم محدودية الاهتمام- من صميم العمل عند الغالبية من العرب والأجانب كقيمة تعيينيه، حيث كثيرا ما كان الكاتب قاصا أو ناقدا يتقصد من عناوينه في المنجزات الأدبية وظائف مختلفة، كأن تكون إخبارية أو إغوائية أو توجيهية في أي عمل أدبي، غير أنه في الأعمال العلمية، فإنه يقتصر على وظيفة واحدة هي الوظيفة التعيينية.غالبا.
فبنية العنوان اللغوية، تكسب الكتاب اهتماما أو نفورا من قبل المتلقين. ولذلك يسعى الأدباء (وأقول الأدباء شعراء وناثرين) إلى إضفاء الطرافة أو الدهشة والغموض لتحقيق الإقبال والمتعة المطلوبتين. ويشكل الانزياح عاملا مهما في إكساب العنوان الحيرة والإقبال على القراءة والاقتناء. كما قد يعرّض العنوان الساذج بنية ودلالة الكتاب إلى الإهمال والنفور قبل النظر في مضمونه.
ويكون العنوان محط أنظار القراء، باعتباره العتبة الأولى التي يواجهها القارئ، فقد يكون العنوان هو مفتاح الكتاب. وعليه يتوقف فشل أو نجاح الكتاب في عملية التسويق. والعنوان، هو (( مجموع العلامات اللسانية التي يمكن أن ترسم على نص ما من أجل تعيينه)) . وعرفه محمد الباردي بأنه ((عتبة قرائية، وعنصر من العناصر الموازية التي تسهم في تلقي النصوص، وفهمها وتأويلها داخل فعل قرائي شمولي)) .
وللعنوان غايات ووظائف، يلتقي فيها الجمالي الشعري والمحتوياتي القصدي، والإشهاري. ومن ثم يتحقق التواصل على أوسع نطاق بين الكاتب والقارئ. واللقاء الأول بين القارئ والكتاب، ومن ورائه الكاتب. وهو أهم وأخطر لقاء – كما يشير كمال الرياحي- لأن ذلك اللقاء هو الذي سيحدد العلاقة المستقبلية بين الكاتب وقرائه.
وليس من السهل القبض على عنوان مناسب من أول وهلة، فلا بد من تدبر وعنت. ويختلف الكتّاب والشعراء في مسالة البحث واختيار عناوينهم. منهم من تشغله قضية ما، فيعمد للقبض عليها شعرا أو نثرا ثم يختار لها عنوانا. وهناك من يستل العنوان من متن كتابه، أو ديوانه، وهناك من يلجأ إلى أصدقائه ليختاروا له عنوانا مناسبا، وهناك من يترك الأمر للناشر في اختيار العنوان وهذا نادر.
وبنيات العناوين تختلف في صياغتها اللغوية والتركيبية بأصنافها الاسمية والفعلية، والحرفية والظرفية والوصفية والإضافية، وهي في كل الحالات خبرية على اعتبار أن كل العناوين تعرب أخبارا.
ومهما كان من أمر العنوان، تظل مسؤولية الكاتب حاسمة في اختيار عناوينه، والعنوان بمثابة الاسم الشخصي في الحالة المدنية الذي لا يتخلى المسمى به، ويرافقه طول العمر، وإلا أصبح بدون هوية، حتى لا نقول شيئا آخر. قد نتشابه ولكن لا نتطابق. ولا يمكن أن نعيش بدون علامة هوياتية تميزنا. وكذلك امر الكتاب.
واختيار العنوان مسؤولية كبيرة في التعبير عن مضمون النص، وفي عملية التسويق وتحفيز القارئ على الاقتناء والقراءة. ومن ثم، لا اعتباط في الفن، فكل شيء مرسوم بعناية ورغبة مسبقا. قد يطلق الآباء أسماء على أبنائهم ساعة الميلاد أملأ في أن يكونوا كذلك، ولكن ليس بالضرورة أن يتحقق حلم الآباء، فقد يكون من سمي بحميد شريرا، وقد يكون من سمي بالأسد أو عنترة جبانا.
واختيار العنوان كعتبة وخطاب موازي ضروري لأي كتاب، فلا يمكن أن يعيش شخص ما بدون اسم يعرف به. حتى ولو كان مجرد حرف.
تقديم المجموعة القصصية
تضم مجموعة “عبود لا يتحمل السوط” 14 قصة قصيرة، موزعة على 82 صفحة، صادرة عن دار خيال للنشر والترجمة بالجزائر. وهي:
1. عدلية اللثام يليق بك-2 فاكهتي الطازجة -3 مصرع العم إسماعيل -4 قبلة سباغيتي -5 خطا في الوجهة -6 إني احترق يا رونق -7 الأراجوزاتي موسى والأخريات -8 حرز الطيار والعصفور الصغير – 9 عبود لا يتحمل السوط -10 رفاق الطابة -11 فراشة الركح – 12 سوف أهاجر يا أمي -13 الطائر المهاجر سيعود -14ملابس جدي.
وقد اختارت القاصة قصة (عبود لا يتحمل السوط) عنوانا للمجموعة.
وقبل الشروع في مقاربة العناوين، لا بد من التوقف عند صفحة الغلاف، كعتبة أولى تترافق مع العنوان وتتواشج معه.
أولا: فضاء الغلاف: قراءة الغلاف وتصميمه اجتهادية، لا تخضع لمنطق نقدي معين، واقتراح الغلاف في حد ذاته تصور وإبداع، قد يعبر عن المضمون إن ربطه المصمم بالمحتوى، خاصة في أغلفة الكتب الإبداعية التي كثير ما تستل الصورة من المضمون جزئيا أو كليا.
وبالنظر في غلاف (عبود لا يتحمل السقوط) نلاحظ أن المصمم رتب عناصر الغلاف على التوالي من الأبعد إلى الأقرب:
– الخلفية: وهي زرقاء مزج فيها ثلاثة ألوان: الأزرق والأبيض والأسود في تمازج مشبع بدلالة الغموض والانكسار.
– صورة عبود: التي جعلها سوداء خالية من المعالم الشخصية ويوحي سواد الصورة بالغموض والكاريزمية من خلال الطول والبنية الفارهة لشخصية عبود التي ترمز إلى القوة والهيمنة. وزادتها الخلفية بألوانها المختلفة غموضا وتوجسا.
– العنوان: واحتل صدارة الصفحة، وجاء باللون الأبيض. وسعت الكاتبة أو المصمم من خلال طريقة الكتابة أن تقدم عبود بخط مميز على أنه هو الذات التي سيدور حولها الحديث، أو هو مركز الاهتمام.
وأعطى المصمم اسم الكاتبة أهمية من خلال تقريبه من القارئ، بل ربطه مع العنوان مباشرة. على خلاف بعض المصممين الذين يجعلون اسم المؤلف في الأعلى.
أما أيقونة التجنيس(قصص) التي وضعها المصمم في أعلى الصحفة مكان اسم المؤلف، فهي تكاد تكون سابقة. لأنه جرت العادة عند أغلب المصممين وضع علامة التجنيس في أسفل أقصى يسار الصفحة الأولى. أما علامة الناشر، فقد جاءت بلونين مميزين مع صغر حجم العلامة.
وأما الصفحة الأخيرة، فقد ضمت في الأعلى صورة المؤلفة ونبذة مقتضبة عن بعض أعمالها. ولم يكتف الناشر – ومن ورائه الكاتبة- باسم المؤلفة وإنما أرفقه بصورتها الشخصية التي قربت النص وتربطه بالذات المبدعة التي قد لا يعرفها قراؤها، ومن ثم هم يتوقون إلى معرفتها عينيا فيزيقيا. لقد ساهمت الصورة الشخصية للمؤلفة في تسويق الكتاب بدون شك. وذلك حتى لا يبقى التخيل والتقنع اللفظي والاستحضار الشخصي للصورة يتحكم في مورفولوجية المبدعة. تلاها مباشرة مقتطف من قصة (عدلية، اللثام يليق بك).
لينتهي الغلاف الأخير بعلامة الناشر والترقيم الدولي.
في العموم، حين ننظر في شمولية الغلاف بصفحتيه، نجده معبرا جاذبا محفزا على القراءة والاقتناء.
ثانيا: العنونة.. الصورة والدلالات
“عبود لا يتحمل السقوط”، هو عنوان مجموعة قصصية متعددة الموضوعات، وهو غير مندمج نصيا في محتويات المجموعة القصصية فهو خطاب قائم بذاته لأنه يعبر عن قصة بعينها، له دوافعه وغاياته. تقصدت بها القاصة مخاطبة كتحفيز له على تنشيط الذوق الأدبي من أجل الاقتراب والإقبال أكثر لاقتناء الكتاب. ثم انها رأت فيه شحنة دلالية أكثر من غيره، وبالتالي سوغت له هذه الريادة ليكون عنوانا للمجموعة. لما فيه من عناصر التحفيز والإغواء والتحدي الدلالي.
وجمع بين هذه القصص خيط رفيع حقق شيئا من الانسجام الفني بغض النظر عن الموضوعاتية المتعددة التي تجلت في المجموعة. لأن الإبداعية أو الأدبية في كل قصة قد تكون متباينة لأسباب تتعلق بالكاتب، سواء أكانت ذاتية أو مكتسبة.
فعنوان المجموعة القصصية (عبود لا يتحمل السقوط)، اختارته القاصة من جملة القصص التي ضمتها المجموعة. قد تجيبنا القاصة عن سبب الاختيار، وقد لا تجيب، وهذا الاختيار هو تبئير لقصة (عبّود لا يعرف السقوط)، وتمييز لها، وإعلان أفضليتها عند صاحبتها من جهة، ثم إنها دعوة إغوائية لقراءتها من جهة ثانية.
ووسم الكتاب بعنوان ضرورة، لا تقل أهمية عن الاسم المدني للشخوص في الحياة، كما أشرنا في البداية. فالعنوان، بالإضافة إلى وظيفته التعيينية، له وظائف أخرى، لا تتحقق إلا بالقراءة الفاحصة، فلا يمكن أن يعيش كتاب ما، بدون عنوان يعرف به. حتى ولو كان حرفا. ومن وظائفه الكثيرة نشير إلى: الوظيفة التعيينية، الوظيفة الشعرية، الوظيفة التوجيهية.
وبالنسبة لزمنية عنوان مجموعة (عبود لا يتحمل السقوط) هو عنوان قبلي، مرتبط بزمنية كتابة القصة. فهو في الأساس كان خاصا بقصة معينة، ثم عرف تحولا أكبر ليضم تحت جناحه القصص الأخرى بهوياتها وعناوينها التي أصبحت داخلية بشكل من الأشكال. مع الإشارة إلى أن النقاد يشيرون إلى زمنية العنوان، ويرون بأن العنوان يمكن أن يكون قبل الكتابة. وقد يكون التفكير في العنوان أثناءها، كما يمكن أن يكون بعدها، سواء اجترح من قبل الكاتب أو من أطراف أخرى. حيث كثيرا ما يستشير المؤلف آخرين في تدبّر عنوان لمؤلفه، شريطة أن يحمل مواصفات يسعى المؤلف إلى تحقيقها من هذا العنوان، زيادة على الوظيفة التعيينية الأساسية.
بنية العنوان الرئيس: في (عبود لا يتحمل السقوط):
لتفكيك بنية عنوان المجموعة، نسلك مضمارا نقديا يقوم على تحليل عناصره البنائية:
1. المستوى المعجمي:
يتشكل العنوان من ثلاثة ملفوظات، هي: (عبود- لا يتحمل- السقوط). (اسم علم، جملة منفية، مصدر معرف).
أ- عبّود: اسم علم جاء بصيغة مبالغة على وزن ( فعّول) من فعل مزيد بالتشديد.(عبّد) ويعني كثير العبادة.
ب- لا يتحمل: فعل مضارع منفي بلا. يفيد في صيغته المنفية: عدم التصبر والقبول والرضى. أي رفض الانكسار.
ج- السقوط: عكس الصمود والتحدي.
2. المستوى النحوي:
تشكل مفردات العنوان مجتمعة تركيبا نحويا، وهو (التركيب)،جملة اسمية، خبرية، لمبتدأ محذوف يقدّر بـ: (هذا).
• (عبّود): مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.
• لا يتحمل السقوط جملة فعلية في محل خبر المبتدأ (عبود).
• والجملة الاسمية (عبود لا يتحمل السقوط: جملة اسمية في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هذا).
ومن الناحية الجمالية، مُيّز (عبّود) ببنط عريض للتركيز عليه، حيث وضعه المصمم منذ البداية في صدارة اهتمام المتلقي، والذي سيكون هو محرك الأحداث لاحقا. واختيار بنية العنوان بصيغة مكنت من امتزاج الثبات والتحول فيها من المعاني. ف(عبّود) اسم علم، وهو علامة على مسماه، يتميز به عن غيره.
3. المستوى الدلالي:
أما من الناحية الدلالية، فالتركيب العنواني اتسم بالقوة من خلال الصيغة الصرفية فعّول (عبّود) من جهة. ومن خلال الجملة المنفية: (لا يتحمل السقوط)، تشير البنية إلى الصمود والتحدي، والمقاومة ورفض الخضوع. يتسم عبود بالكاريزمية القوية. وهذا لم يمنع عبود من أن يكون لطيفا، يخضع للأوامر والمتطلبات الدينية. وهو ما قد يبدو فيه شيء من التناقض ظاهريا.
جاء في قاموس المعاني، أن ملفوظ “عبّود”: ((اسم علم مذكر عربي، من “العبد” الذي هو الإنسان، والمملوك…)) ، وجاء في موقع آخر:((هو اسم علم مذكر … يشير إلى العبودية والصلاة، وإقامة الشعائر الدينية، وهو صيغة مبالغة على وزن فعول. أي أن الشخص صاحب الاسم يؤدي العبادات بكثرة مثله مثل عابدون)) .
أما “عبود تركية لوصيف” غير هذا، فهو إنسان نعرف اسمه أكثر مما نعرف صفاته وأفعاله. صفاته ودوره في القصة ضئيل، لم يتعد وجوده ضمن مشهد، رفض فيه الخضوع إلى رغبات راقصة مخادعة همها المال. ولذلك نراه يحذّر الممثل الذي يجبره على الزواج من الخرساء بأن يصبر، وألا يخضع لضربات السياط.
وحدث أن صعد عبود إلى الركح وخاطب الممثل حاثا إياه على التمرد عن النص، حيث سأله: هل دورك الزواج بالخرساء؟)) ، فابتسم الممثل ورد على عبود: ((نعم سيزوجونني بالخرساء، وأنا رفضت. ولهذا أنا أعذّب بسياط البحارة)) . ومن ثم، دعاه للمقاومة والتحمل حتى لا يزوجوه بها.
كما يبدو “عبود” شخصية صلبة في الحياة وهو ما تشير إليه صيغة المبالغة(فعّول)، وهو اسم يوحي بكثرة العبادة التي تؤدي إلى قدرته على تحمل مسؤوليات كثيرة جاءت بها العبادة.
أما من الناحية الجمالية فقد تجلت شعرية العنوان في التوزيع الفضائي الذي احتله التركيب وهو صدر الصفحة وفي نوعية الخط، وفي الصيغة
الإهداء والشكر:
كثيرا ما يتماهى الإهداء والشكر عند بعضهم لما لهما من دلالات مشتركة. فالإهداء هو تعبير شخصي، يتقدم فيه الهادي بأسمى عبارات إلى المهدى له. أبا كان أو معلما أو هيئة. كأن يهدي عملا ما إلى من كان له الفضل في مساعدته على الإنجاز. والشكر هو أيضا الامتنان وعرفان بالجميل لكل من ساهم من قريب أو من بعيد في تحقيق أمر ما ماديا. كان أو معنويا.
ويتفق النقاد على أن الإهداء خطاب تقدير وعرفان يصدر من قبل الكاتب، يخص به فردا أو جماعة أو مؤسسة، كما يقول جيرار جنيت. و(( يعد الإهداء واحدا من أهم العتبات النصية التي تمهد الطريق أمام القارئ قبل ولوجه النص، وتمنحه استعدادا للتوغل فيه والشروع في القراءة )) .
ومن تعريفاته االاصطلاحية، أنه، ((جمع من الكلمات ينسجها الكاتب بغيه تقديم عمله الإبداعي إلى شخص أو جماعه أو مؤسسه أو رمز تربطه به علاقه حقيقيه أو معنويه تقدير له ورفعا لشأنه، تتصل به معان من التودد والعرفان ورد الجميل)) . أما الشكر فهو عرفان وامتنان وتعبير عن مودة بين الشاكر والمشكور.
وقد تجلى الإهداء في مجموعة “عبود” في إهداءين، وشكر وعرفان:
– الإهداء الأول: إهداء عام: وقد عنونته الكاتبة ب:(إهداء وشكر): وهو إهداء توجهت به الكاتبة إلى القارئ المفترض الذي سيتلقى كتابها، وهي دعوة ذكية للتواصل مع الكاتبة ومؤلفها، وترى الكاتبة في مجموعتها منصة قرائية عزيزة المنال، لا يرتقي إليها إلا صاحب الحظ الكبير، وهي تشيد بالقراء الطامحين أصحاب الرغبة القوية النادرة ((إلى قارئ حالفه الحظ، واقتنى نسخة من مجموعتي القصصية ” عبود لا يتحمل السوط”)) .
كما توجهت في هذا الإهداء إلى والديها المرحومين عرفانا بفضلهما عليها ((إهداء لمن فارقوني في هذه الحياة والدي الذي كان يراني متميزة عن باقي إخوتي. ووالدتي التي كانت تسعد لسعادة شقيقتي بسردي للقصص)) .
– الإهداء الثاني: إهداء خاص:
وتوجهت به الكاتبة إلى الإعلامي عبد الرزاق عباس العامل بجريدة الشعب الجزائرية، وهو إهداء مقتضب فيه إضمارات، عملت على تنشيط ذكاء المتلقي وحدسه حين وجد نفسه يقف أمام بنية صماء لا تتعدى حرف جر واسم المهدى له فقط:((للإعلامي الجزائري عباس عبد الرزاق)).
– شكر وعرفان:
وخصت به القاصة الكاتب المصري سامي خالد زكي: (( للناقد خالد سامي زكي)). ولم يتعد هو الآخر جملة تلميحية، افتقدنا فيها ذلك التواصل الصريح على غرار ما أفضى به هو في كلمة التقديم التي قال فيها الكثير. واكتفت أيضا بجملة تلميحية جد مقتضبة ، لا يدرك فحواها إلا صاحبة الإهداء والمهدى له.
كلمة الكاتبة:
وهي كلمة توجيهية، كشفت فيها الكاتبة عن طبيعة القصص التي ضمتها المجموعة، وبقدر ما هي إضاءة شارحة، كانت عبارة إغوائية محفّزة للإقبال على قراءة المجموعة لاكتشاف الخيالي من الواقعي فيها، ولا نحسب أن الكاتبة تتبعت الواقعي بقدر ما مالت إلى التخييلي، لأن العمل الإبداعي كله -في نظر النقد- عمل تخييلي، مادام قد خضع لعملية التفكيك والتركيب.
مع ملاحظة، أن التوزيع الفضائي للإهداء والشكر والإهداء الخاص، والشكر والعرفان، وكلمة الكاتبة، لم تكن موزعة فضائيا يليق بصناعة الكتاب جماليا، وهو ما أثر سلبا على القراءة البصرية للنص.
التقديم/ التقريظ:
لم تضع الكاتبة مقدمة شخصية لمجموعتها، واكتفت بالتقديم الغيري الذي وضعة الأديب المصري خالد سامي زكي. والتقديم ذو وظيفة وصفية، ثقافية ونقدية، يقوم على مدح الكتابة وإبراز مزاياها. جاء على ذكر محاسن المجموعة القصصية، وخصها بمدح هو أقرب إلى المدح الصوفي، إلى درجة الغلو، حيث يقول عنها: (( بلغت أقصى قدرة من الاستحواذ والانتشار والتدفق في الشرايين، معينا لا ينضب للارتواء والشبع للروح والعقل)) ، إلى أن يقول: (( هذا العمل وليد مهارة أدبية فذة ومتوهجة)) .
وقد عرّج خالد سامي زكي على قراءة القصص التي ضمتها المجموعة، وأبرز مفاصلها المضمونية والجمالية. دون أن ينسى وصف الكاتبة بأوصاف، يكون قد استشفها من طريقة بناء العمل، ومن الآثار التي تركتها فيه، وهذا التقديم/ التقريظ، دعوة ملحة للقراء من أجل الالتفات إلى هذه المجموعة والكاتبة في نفس الوقت. وهو في كل الأحوال، يبشر بكاتبة واعدة.
قراءة في عناوين القصص:
ضمت المجموعة القصصية، (عبود لا يتحمل السقوط ) محل الدراسة، 14 قصة، توزعت بين عناوين (علمية، مصدرية، اسمية، فعلية، حرفية، ، حشرية، حيوانية، استعارية، زمنية، وشيئية. وتراوحت العناوين بين التصريح والتلميح، بين عناوين وظيفية، وقفت عند حدود الموضوع المركزي للقصة، وبين عناوين شعرية ذات بعد رمزي. وإن كانت إلى التصريح أميل. وقد يسأل سائل: أين تكمن الشاعرية في العناوين؟ هل في البنيات أم في الموسيقى اللفظية؟ أم في الانزياح الدلالي؟ وأين هي الحدود الفاصلة بين الوظيفي والشعري في عنوان ما؟. مع التنبيه إلى انه إلى ((أن العنوان لا يمكن فصله في الغالب- عن السياق التداولي العام، بما فيه السياق النفسي والاجتماعي والأدبي)) لعمل ما، سواء أكان قصة أو رواية.
وتنبغي الإشارة إلى أن المقام التخيلي يسبق المقام الإنجازي في صياغة العنوان. ومن ثمت نقول بأن كل البنيات ووظائفية العناوين أو انزياحاتها عند القاصة مقصودة مسبقا. فإلى أي مدى وفقت تركية لوصيف في اختياراتها وصياغاتها. ما نلاحظه هو أن كثيرا من عناوين مجموعتها استلتها من شبكة السرد، إما بصورتها اللفظية كـ(قبلة سباغيتي)،و(أخطأ في الوجهة)، أو عملت على تعديلها كـ:( فاكهتي الطازجة)، أو اجترحتها اجتراحا كـ:(عدلية الأسود يليق بك).
فمن العناوين الشاعرية التي تتجاوز البعد الوظيفي نجد مثل:
فاكهتي الطازجة. خطا في الوجهة. إني احترق يا رونق.
1. عدلية اللثام يليق بك: عنوان القصة يتسم بالشعرية، وهو يتناصص مع رواية أحلام مستغانمي الموسومة (الأسود يليق بك). أما مفردة (عدلية)، شخصية أنثوية، مجهولة معلومة، فهي لا تكشف عن عمقها إلا بعد المرور إلى عمقها من خلال السرد الذي ينبش في فحواها المعرفي والاجتماعي والنفسي. فهي من الناحية البيئية مستعارة معجميا وصرفيا ودلالة من معجم التسمية المشرقي، الذي يكرس هذا الاسم في معجم ألقاب بناته، وهو نادر في بلدان المغرب. وهي في القصة زوجة راع تسكن وزوجها وأولادها بيتا من الطوب في فضاء جبلي صعب، ونستشف أنه جزء من البيئة الجزائرية من خلال حيثيات السرد ومضمرات النص. وإذ نحن نتجاوز تسمية اخيها المجاهد( قمر الليل) الذي هو متداول بشكل من الأشكال في البيئة المغاربيةن فلا يمكن تجاوز ملفوظ (عدلية). وقد يبعث على سؤال توطين هذا الاسم وعلاقاته الوظائفية بيئة الكاتبة. وإن كنا لا نعارض كل توظيف يحقق مقصدية في القصة، شريطة ألا يكون نشازا متمردا على تراث وعادات وثقافة المجتمع، لأن التسمية في الفن مقصودة تنسجم مع الدور الذي أسند إليها في العمل الأدبي على خلاف ما هو في المجتمع، حيث يسمي الآباء والأمهات أبناءهم وبناتهم على أمل الحصول على الشخصية المقصودة بالتسمية تبركا بتاريخها أو بأدوارها أو ملمحها الاجتماعي والسياسي (كالتبرك بالأنبياء وبالأولياء الصالحين أو رجالات التاريخ والسياسة والفن والأدب. فالأديب حين يختار أسماء شخصياته، فهو يتحكم في مصيرها، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. أما الآباء لا يتحكمون في مصائر أبنائهم، فقد يكون من اسمه سعيد شقيا، ومن اسمها وفاء خائنة.
ونختصر القول، بأنه من الأسماء التي دخلت مجتمعنا حديثا تأثرا المرجعية المشرقية الوافدة مع الأفلام والمسلسلات وما إليها من وسائل التواصل الاجتماعي.
2. فاكهتي الطازجة: عنوان إغوائي فيه انزياح شعري، فهو حمّال أوجه. فالفاكهة –هاهنا- توحي بأشياء كثيرة، يمكن أن يتخيلها القارئ، وهو يتلقى الكتاب ببصره لأول مرة. فقد تكون فاكهة حقيقة. قد تكون أنثى. كما قد تكون أمنية، وما على ذلك من المتخيلات.
وبالعودة إلى النص ينكشف لنا المضمر من العنوان. فالفاكهة الطازجة هي السيدة مريم التي كانت تشتري من بائع متجول بعض ما تحتاجه من فواكه وخضار فيرفض أخذ المقابل، لأنه كان يرى في السيدة مريم “فاكهة طازجة”، فهو يشتهيها ويريدها، ((كان يراني فاكهة طازجة وصحية وهو الخبير بمجاله)) ولذلك كان يمرر لها رسالة كما جاء في القصة ((الفاكهة تذبل إن لم تجد من يشتريها)) . تقول السيدة مريم: ((هكذا الماكر كان يرسل لي رسالة الغرام))
3. مصرع العم إسماعيل: عنوان مشبع بالخوف، يحمل دلالات الرعب والانتهاء وسوء المصير من آلام الحياة المختلفة كالانتقام والاغتيال والإهمال الذي سيلحق العم إسماعيل. وبالعودة إلى القصة التي تحمل هذا العنوان نعرف بأن الصريح الذي أشار إليه العنوان هو العم إسماعيل صاحب بيت في حي شعبي آيل للسقوط كان يؤجره لثلاث بنات خياطات. حيث كن يعاملنه كأب يوفر لهن الحماية. وبعدما غادرت البنات بيتهن سمعن بموته إثر انهيار منزله. حيث تخرج حنان باكية وتتحدث للصحافيين بعزة نفس. فالصريع كان الأب الحنون لهن.. إنه مصرع العم إسماعيل)) . وهو عنوان وظيفي مباشر خال من الشاعرية إلا من الحس الدرامي الذي ضمه ملفوظ(مصرع).
4. قبلة سباغيتي: العنوان مستل من القصة، ويتعلق بصحفية ممثلة في فيلم تقبل جنديا فرنسيا وتمرر له سما عبر القبلة. فيستغرب من دهائها ويقبل منها قبلة سباغيتي على الطريقة الإيطالية.
5. خطا في الوجهة: يبدو العنوان غير معبر للوهبة الأولى، ولا يختصر المضمون، ولا يقوم بمهمة التعيين للأحداث المتشعبة في القصة، وليس في التركيب البنيوي للقصة ملمحا للوظيفة الشعرية. فالخطأ في الوجهة التي اختارته الكاتبة لا يتضمن المحتوى الحزين والمقرف الذي عاشه العجوز مع السيدة مليسا. كما لا يعبر بصفة مباشرة عن خيانته يوم كان ساعي بريد يتصيد النساء. وكذلك لا يعبر العنوان عن انتقامها منه، فراحت هي الأخرى تمارس نفس الفعل الخياني، إلا إذا اعتبرت الكاتبة تركية لوصيف أن زواج بدري مع مليسا خطأ في الوجهة التي أثمرت هذا القرف المشوب بالكذب والخيانة.
وللإشارة أن العجوز بدري الشاب وقتئذ، عمل ساعي بريد في القرية التي هو الآن في الطريق إليها. حيث تعرف هناك على مليسا، وتزوج منها. غير أنه غادر البيت بسبب شجار دار بينهما، في حين هي سافرت لاحقا إلى بلدها. وماتت هناك، حسب الأخبار التي وصلت إلى السيد بدري. في حين تأكد أنها ظلت حية ترزق، حيث ارتبطت بعشيق أنجبت منه بنتا.
وحتى تنتقم من زوجها السابق العجوز بدري، دبرت له مكيدة، وجرته إلى القرية على أساس أن الشلة القديمة التي كان يتفاعل معها في شبابه تنوي لقاء للم شمل الشلة في فندق القرية. والحقيقة هي فخ له. غير أنه بهذا الفخ، تعرف على ابنته التي لم يكن يعرفها التي هي ثمرة خيانة، وكان مليسا تقول للعجوز ها هي ثمرة خيانتك ولست وحدي أنا الخائنة. حيث دبرت لها هي الأخرى مكيدة كادت تودي بحياتها. وتمكن العجوز بدري من اللقاء بمليسا، وتبادل معها اللوم حول الحقائق المرة التي فرقتهما، وتعرف على ابنته وعلى ابنتها أيضا. فهل الخيانة هي الوجهة الخطأ؟ هل مليسا هي الوجهة الخطأ؟ قد يكون عند تركية لوصيف كل ذلك.
6. إني احترق يا رونق: عنوان مشبع بالألم المصرح به في البنية، كما يقوم على إيقاع صوتي موسيقي حققه السجع في (احترق، ورونق) وهو يمثل صوت العاشق رزق الذي أحب رونق في السر، وضحى من أجلها في السر أيضا، بداية في الدفاع عنها أمام فئة من الشباب الطائش، وانتهاء بمحاولة إنقاذها من العجز الكلوي حين أهدى إحدى لها إحدى كليتيه في السر دون أن يعلم أحد إلا الطبيب، ولذلك حتى ينقذ حياتها. في حين بضحي بحياته هو. فالعنوان بقدر ما فيه من إيقاع موسيقي خارجي من خلال الجملة العنوان المسجوعة على طريقة القدامى، فيه زخم كبير من موسيقى داخلية أليمة.
7. الأراجوزاتي موسى والأخريات: هو عنوان مباشر إلى حد كبير إلا مفردة الأراجوزاتي التي توحي بالخضوع لقوة أخرى. والأراجوزاتي مفردة مستعارة من المسرح وهي الشخصية الأداة التي يتحكم فيها المخرج عن بعد عبر خيوط مربوطة بأطرافه.
8. حرز الطيار والعصفور الصغير: عملت القاصة على ربط حادثة وقعت للطفل حرز وهو تلميذ في المدرسة مع طائر عثر عليه وكيف فكر في علاجه ثم تمكينه من التحليق بحرية. ربطت هذا الماضي الطفولي بحرز الرجل الذي أصبح طيارا وهو لا زال يتذكر حادثة الطائر الذي عالجه وأعاده إلى الطبيعة طائرا حرا. الجميل في هذا العنوان هو الجمع بين زمنين ومكانين أحدهما في الجو. وان تحليق حرز كطيار الآن هو ما كان حلما عبر صورة الطير وهو طفل بالأمس.
9. رفاق الطابة: رفاق الطابة عنوان غير مفهوم بسبب توظيف ملفوظ(الطابة) الغارق في المحلية. ولذلك، كان على القاصة أن تقوم بشرح ملفوظ (الطابة) في الهامش تسهيلا للفهم، وتسويقا لمجموعتها.
و(رقاق الطابة)، هم رفاق الصبا للطفل سمير الذي أبعده المقاول وصنع منه رجل أعمال، لكنه لم يمسح ذاكرته بحمولتها الاجتماعية والنفسية التي يشترك فيها مع رفاق طفولته. ولذلك يرفض أوامر المقاول حين أمره بهدم الحي الذي ظل يسكنه من الداخل رغم أنه رحل عنه منذ الطفولة. وهو عنوان استذكاري، يستمد قوته الدلالية من الماضي المغروس في أعماقه.
11. فراشة الركح:
عنوان ذو تركيب اسمي إضافي، كناية عن البنت شيماء المتنمرة التي صنعت منها نبيهة العاملة الجديدة بالمكتبة بنتا لطيفة خلصتها من عدوانيتها، حيث سبق وأن عضتها، وسببت إحراجا لوالدها أمام مؤسسة جاء ليستنجد بها من اجل تعديل سلوك ابنته. حيث ا استطاعت المدربة نبيهة بإصرار وذكاء أن تروض المتنمرة شيماء، وتجعل منها نجمة مسرح كبيرة وفراشة الركح. فالعنوان مستل من حيثيات المحتوى والفعل المسرحي في القصة.
12. سوف أهاجر يا أمي: العنوان مركب فعلي، على صيغة جملة فعلية تسويفية. يفيض بالأحلام والتوقعات السعيدة بالنسبة لميساء التي جرى وراءها مواز لان تكون زوجة له، غير أن الواقع يكسر أفق انتظار ميساء التي وجدت نفسها راعية للخنازير في المهجر، بدل أن تكون زوجة معززة. مما كسر أفق أحلامها وفقدت حلمها في مواز الذي اصطادها على أمل أن سيهاجر بها إلى خارج الوطن. مما يجعلها تفكر في العودة. وفعلا عادت بعدما ضيعت اعز ما تملك كرامتها وعذريتها.
13. الطائر المهاجر سيعود: تركيب اسمي يعد بالعودة من غربة ما لشخص يدعى عزوز. وهو أب علي الذي فارق زوجته وتركها تعيشا ألما مزدوجا الوحدة وألم المعاملة السيئة. غير أن زوجته ظلت تحن إلى زوجها عزوز، وتتمنى عودته، لأنها هجرة من دون طلاق ((كان شبيه الطائر المهاجر، يحلق كلما تلبدت السماء ولكن الطير المهاجر سيعود))
14. ملابس جدي. مركب اسمي، مستل من المتن، وكانت الحفيدة لبني تعتني بجدها قبل وفاته بل انصرف الجميع عن الجد في أيامه الأخيرة حتى لا يدفعوا ثمن العلاج. وسعى أيمن أحد أقربائها، لأن يجعل منها خادمة عنده، فما كان منها إلا أن صفعته.
وبحكم أنها هي الراعية لبيت الجد والساكنة به، استغلت ملابس جدها في الإشهار للزي الجزائري كتراث في استيديو للتصوير في شراكة بينها وأحد الأجانب الذي راح يروج للزي الجزائري بملابس جد لبنى. مما دفع بأحد أقرباء الجد المتوفي أن يرفع دعوى معترضا على هذا الاستغلالي الأحادي الجانب من قبل لبنى لملابس جدها في الإشهار، وطالب بحقه في العائدات وفي اللباس كجزء من الميراث. فللعنوان وظيفة إخبارية بحتة خالية من أي انزياح شعري.
الخلاصة، إن العتبات عند تركية لوصيف استجابت لمطلب الفن، بنيات ودلالات، سواء كعتبات وظيفية سيجت المضمون، أو كبنيات شاعرية أضفت جمالا، وفر الدهشة والمتعة في الإقبال على النصوص القصصية. وقد تعاضد التلاحم بين التركيبي والدلالي والشاعري في تعزيز((الامتزاج الخلاق بين الحدين النثري والشاعري))