كم جميل أن تجد الله! وكم هو أجمل أن تكون تائها تتقاذفك أمواج الخيبات ثم تصل إلى الشاطىء وتجد الله، فتبرأ جروحك وكأنك لم تعاني ولم تُجرح قط؛
كم جميل أن تكون مبعثرا ولا تعلم إلى أين سيقودك ضياعك، فتجده وحده يلملمك، فقط هو الله؛
سور عظيم من التراكمات يحيطك، يحجُزك ولا يُخرج صريخك، كل ما تلقاه منه هو صدى صوتك المبحوح الخارج من حنجرتك المهلكة.. ثم يحدث أن يُهدم السور في رمشة عين لأنك وجدت الله؛
يحدث أن يشتد كربك ويزداد همك ويخنقك حزنك، فيضيق صدرك، ويصبح جسدك في حالة من الهوان لا يقوى حتى على حمل تلك الروح الضعيفة التي ينخرها اليأس كجثة مضى عليها عهد من الزمن، ففعل بها الدود ما فعل… ثم يُوقَد بداخلك سراج وهاج يضيء الروح ويخلق حولك هالة من النور لأنك وجدت خالقك، لأنك وجدت ربك؛
قد تسوء بك الأيام، تقسو عليك ولا تحن، فتقسو أنت أيضا ولا تحن، فيصير قلبك ملطخا بدرن القساوة، ثقيل في حمله بين الضلوع فدقاته الخفيفة الشبيهة بدقات الساعة تصبح شبيهة بدقات الطبول فتؤلمك في صدرك، لكن فجأة كأن قلبك سقط في دلو ماء فتطهر وعاد خفيفا في الصدر كخفة الفراشة الملونة التي تطوف بين الأزهار، لأنك في لحظة عرفت الله؛
لا تجد السكينة! حتى الطرق على الباب تجده مرعبا، ثم فجأة تصبح ممن يغشيه النعاس أمنة منه… منه هو ربك لأنك وجدته؛
تنقلب حياتك رأسا على عقب فتتوه داخلها ثم تجدها بداية لحياة أخرى جديدة قريبة من ربك أكثر، لأنك وجدته؛
تضيع منك أشياء ويخيب ظنك في أناس، تتأخر إجابات أمنيات تُعَدّ على رؤوس الأصابع، فتجد نفسك مثبتة بالصبر واثقة في القادم من الخير، مطمئنة راضية لأنك عرفت الملجأ الذي لا يغلق بابه، لأنك عرفت الله؛
إن عرفت الله ستعرف أين يكون بالتحديد، وإن عرفت أين يكون بالتحديد اذهب إليه مباشرة، فوق سجادة الصلاة، انحن لتدنو منه أكثر، استشعر عظمته من حولك، بالأمن والسلم الذي يبثه في قلبك، أفرغ روحك وتحدث معه، فلتكن لك أسرار مع خالقك، فلتدعه يوجهك، يختار لك واسأله أن يرضيك ويرضى عنك دائما؛ ففي عز انشغالاتك اليومية اسرق هنيهة وناجيه، ناجيه حتى يبرد القلب، اختلي به ليلا وقت لا تسمع غير أنفاس النائمين، فضفض إليه لتصفا روحك.