نص”لصوص الآثار” للكاتبة صفاء صبحي الحطاب كتب بلغة ومضامين راعت الفئة التي توجهت إليها وهم الشباب والناشئة هذه الفئة المتعطشة للنهل المعرفي والعلمي ولتذكية الخيال والسفر بعقولهم وجوارحهم إلى عوالم جديدة إما في المستقبل أو في الماضي السحيق.
وقد اختارت الكاتبة السفر في الزمن لكن للخلف بسرعة محترمة حددت زمنها في القرن 19 وفي بلد شهد أهم الحضارات البشرية عمارة وتدينا وفنونا هي الحضارة المصرية التي سحرت خاصة القوم وعامتهم ومررت عبر الفكرة الرئيسية سرقة الآثار والمتاجرة بهذا الإرث الحضاري في الأسواق وفي أروقة السفارات والبيوت الخاصة وهجرة القطع الأثرية خارج مصر و كل هذا الإرث عبر ذكر الكتابة المصرية القديمة الهيروغليفية والتي تم فك رموزها ليختص فيها العديد من علماء الآثار ودراسته مثل البطلة كارولين والسيد تومسون والخط الهيراطيقي الذي كتبت به البردية وهذا ثاني دليل مادي على تقدم هذه الحضارة التي دونت جزء من علومها وفنونها وقد اشتغلت الكاتبة على بردية حقيقية هي الآن ارث انساني لكن مصري في الأساس وقد اشتغات على تصوير كيف وصلت البردية للغربيين في حبكة ومسار روائي يشد القارئ والدارس وبشخصيات حقيقية وأخرى ممكنة سرديا وواقعيا ونهايات كل من الشخصيات كانت في خدمة وفي توظيف ديناميكية الأحداث وتطورها وبردية النص الذي اشتغلت عليه الكاتبة طولها 4م ونصف وعرضها 33صم وكتبت باللون الأسود والأحمر ومن اليمين إلى اليسار وهي بردية إدوين سميث بردية طبية قدمت عدة معلومات هامة حول معالجة إصابات الرأس والرقبة والجذع و” وتعرض البردية الاصابات بترتيب تشريجي تنازلي مثل العرض التشريجي الحديث”و “طريقة الفحص الموضوعي المعتمد على أدلة بصرية وشمية وعلى الجس وأخذ النبض”
هذا التطور الطبي والعلمي أبهر الأثاريون الغرب واعتبره أحدهم كنزا لا يقدر بثمن وسيقلب الموازين حول كل ما نعرفه عن الطب حاليا.
أما عن العمارة فقد ذكر النص المقابر والمدافن والمسلات والأثاث الجنائزي المصاحب للميت في رحلته كالبوق والحيوانات الغريبة في الأصل هي آلهة على هيئة رؤوس حيوانات مثل “سخمت” ابنة “رع” برأس لبؤة و “حورس” برأس صقر و “تحوت” اله الكتابة برأس أبو منجل وغيرهم.
والأختام الملكية بالأبواب وهي بيضاوية الشكل عليها تسعة أقواس والتوابيت الحجرية وبكفن من الذهب الخالص والمومياء الملفوفة بكفن قماشي على شكل طبقات من الحرير والقلائد الذهبية والخواتم والتيجان وعصا الملك
وذكر النص معبد دندرة وأعمدته ذات القواعد الجرانيتية الضخمة ونقوش ورسوم الجدران والموسيقى التي اشتهرت بها مصر القديمة وحياة الملوك والحرس واحتفالات الموكب المقدس وأهمية الكهنة وحضورهم في المعابد والقصور وبين الناس بل وتدخلهم في شؤون الحكم مع العديد من الملوك والأسرات التي حكمت البلاد وقتها .
كل هذه الثروات أغرت المواطن المصري والغربيون فاجتهد الأول في بيع ما وجده بأرضه أثناء الحراثة أو الغراسة أو اقتحام مجال السرقة والنبش تحت أتربة الصحراء وفي السهول عن مقابر الفراعنة حكامهم وزوارهم وكبار القوم من تجار وعسكريين كما أراد الثنائي سيد وبدوي وقام بحفر أحد مدافن الملوك القدامى وقد أطنبت الكاتبة في وصف التعب والمجهودات الجسدية للوصول والظفر بالذهب وما وجد بالقبر الملكي كالطريق المبللة والوصول بمشقة وعناء إلى وادي الملوك بعد المنحدرات وأعالي القمم الصخرية ومجاري المياه الهادرة مع المسك بأدوات حفر وجمع كالإزميل والمطرقة والمجرفة وسلال والحبال والشمع والمصباح الزيتي.
ولرفع معنويات شريكه قال سيد: هدئ من روعك إنها ليلة مثالية المطر الغزير سيرشدنا إلى مكان الكنز والبرق سيضيء لنا الطريق والسيول التي تخيفك هي دليلنا في هذا الوادي العظيم”
ولأن اعتبر أحدهما ما يقوم به سرقة يرد الآخر “نحن لسنا سارقي قبور هذه أرضنا وكل ما فيها لنا” ص7 أما الصنف الآخر فهم الغربيون الذين يقتنون اللقى الأثرية بالأسواق نظرا كما علق بعضهم تراخيص التنقيب وتكاليف البعثة والنتائج غير مضمونة فيشترون ما وجد في السوق وعبر وسيط مصري سمسار همه النقود والثروة.
وهؤلاء ساهموا في تهريب العديد من القطع الأثرية كما قال تومسون لإدوين بشأن البردية “عليك إخراج هذه البردية من مصر حالا” وماتم قبوله كهدايا من طرف ملوك مصر
ولأن الحلم مسار وفكرة وتصور تحقق أولا عبر العثور على الكنز والتمتع به لبعض الوقت لكن الكاتبة لجأت للحلم مرة أخرى لإنقاذ عذاب الضمير وحيرة البطل نظرا للعنة الفراعنة التي لحقت بسارقي متاعهم وأثاثهم الجنائزي الذي مثل عنصرا ومكونا هاما لفلسفة حياتهم بعد موت أصحابها وتصورهم لعالم آخر محكوم بالمحكمة الأوزيريسية وكتاب الموتى الذي مازال يثير العديد من الإشكاليات الباحثة في فهم عوالم المصريون القدامى حول رحلة الميت ووزن القلب وتفاصيل أخرى.