تقديم
الفن التجريدي فن منفتح
للفن التجريدي تاريخه العريق، وقد صار بارز المعالم في أواخر القرن التاسعة عشر وبداية القرن العشرين لينضم إلى الفنون كنوع له سماته ومميزاته، ففي هذا العهد أنجز مبدعون أعمالا فنية مرجعهم فيها خيالاتهم الواسعة متجاوزين الاعتماد على المرئي والمشاهد، ومن هؤلاء الفنان الفرنسي فرانسيس بيكابيا، والذي جاءت أعماله مفعمة بالإدهاش بعيدا عن الصيغ الإبداعية المستهلكة والمألوفة.
والفن التجريدي ينبني ويعتمد على الاشتغال بمعطيات الشكل متجاوزا السمات والمعطيات التمثيلية التي تربطه بالواقع عبر المحاكاة والمشابهة.
ويندرج الفن التشكيلي التجريدي بذلك في ما يطلق عليه “الفن للفن” وهي النظرية التي ترى أن الفن ينبغي أن يتجرد من أية نزعة إيديولوجية، فلا غائية ولا نفعية تنتظر منه.
ورغم كل ذلك فإن أهمية الفن التجريدي تكمن في كونه لا يخلو من إجماليات ممتعة للعين والروح. وفي أعمال الذي لهم قدم راسخة في هذا المجال أو أعمال الشباب، نجد تجارب متنوعة تشكل زخما إبداعيا ينافس الاتجاهات الفنية التشكيلية الأخرى. ومن هؤلاء الشباب الفنانة التشكيلية السعودية أمل الشمراني.
فنانة ببصمة خاصة
اتخذت الفنانة التشكيلية أمل مسلكا إبداعيا طبيعته التجريد والتقارب من حيث الرؤية واللمسة، فلوحاتها أدغال من الخطوط والألوان المتشابكة تشابكا تختلف حدته وكثافته من لوحة إلى أخرى، ويعكس ذلك ـ ربما ـ الحالة النفسية التي تواجه بها المبدعة عملها الفني…
وكل لوحة من لوحاتها تتألف من تعالقات وتقاطعات تكسبها الملمح المتكامل المفردات المشكلة لنسيجها التركيبي.
وما يلاحظ في منجزها العام هو تقارب الألوان والاحتشادات الخطية المتصلة اتصالا يجعلها وكـأنها سياجات تخفي ما وراءها من أسرار منبعها نبض وخلجات الفنانة، مما يجعلها تثير الفضول والتساؤل عن مكمنها وخباياها، وبهذه الصيغة يعمل كل المبدعين على خلق المتفرج الإيجابي الذي تصدمه اللوحات بانغلاقاتها النسبية مما يفضي به إلى بذل الجهد من أجل الكشف المعرفة… فالمشاهد للأعمال التجريدية تدفع به هذه الأخيرة ليتسلح بالتساؤلات، مما ينشأ عنه متعة البحث والتقصي من أجل التفسير والتحليل والمعرفة، ومن هنا يصير مشاركا في النسج الإبداعي حيث يعيد النظر في ترتيب المفردات والتحديق في التركيبات، وهذا ما نتلمسه ونحن واقفين أمام لوحات المبدعة أمل الشمري.
لوحاتها توحي بكونها تعيش أجواء الفن باختلاف منظوراته، وهي في ذلك تحيل تجربتها على العمق والخبرة في مباشرة العمل الفني التجريدي، والذي يوجهها إليه ما يخالجها من أحاسيس جراء أعباء الحياة التي لا تخلو منها حياة أي فرد في المجتمع.
جولة في بعض لوحاتها
ـ لوحة مخضبة بالأزرق الفاتح يعم وجه اللوحة ولا ينافسه في ذلك سوى بقع من اللون البني والأسود مما يحيل على سيطر اللون البارد الذي يأبى أن تخالطه ألوان تنافسه في غلبته وكثافته…وبهذه الصيغة تثير اللوحة مشاعر من قبيل البحث عن الصفاء، وإبعاد ما يكدر هذا الصفاء.
ـ لوحة يكسو أديمها ما يشبه الدخان المنبعث من نار قريبة من الخمود، وكأنها تحاول العودة غلى الاشتعال، والمحدق في اللوحة يشعر بخلجات مشاعر متنوعة يعتريها الغضب الممزوج بقطرة أمل في عودة الهدوء والسكسنة إلى ذات فاقدها.
ـ لوحة تخترقها خطوط بلون أسود لتقلص من صفاء خلفيتها، و يبدو أن حركة الخطوط تشي بعنف اللمسة والوضع، وقد تثير في نفس المتلقي إحساسل بالغربة والغرابة والتوق في العودة من التيه نحو جادة الصواب.
ـ لوحة تستفز العين، وتدفع إلى الانخراط في هواجس تجعلك تتأرجح بذاكرتك بين حاضر مشرق وماض مشتاق إليه، مما يخلق في وجدان المتلقي حالة وجودية تتقاطع عبرها المشاعر والخلجات المتنوعة المستحضر لأمور كثيرة لها علاقة بالحاضر والماضي والمصير.
نظرة عامة
يبقى المنجز الفني لأمل الشمراني منجزا ينضاف إلى تجارب الفن التشكيلي السعودي.
ونعتقد أن الفنانين السعوديين المعاصرين محظوظون اليوم حيث الاهتمام الملموس بالفنون التشكيلية ضمن فعاليات ثقافية متلاحقة، ومن شأن ذلك أن يطور الخبرات والمواهب والتجارب للفنانين والفنانات وضمنهم أمل الشمراني، الفنانة التي نعتقد أن بإمكانها تطوير منجزها التعبيري التجريدي فيصير أكثر إشراقا…وكل مهارة تخضع للتغيير والتحسن مهما كان مستواها.