حوار وتقديم: جاسم العايف
اجري هذا الحوار مع الناقد المسرحي “حميد مجيد مال الله” على مراحل متعددة وبطريقة مباشرة، وبالنظر لما احتوته بعض أراء الأستاذ الناقد ، خاصة تلك التي تخص وضع المسرح والمسرحيين في البصرة من خطورة عليه بالذات في حينه ، فأنني أخذت موافقته الشفوية على عدم نشره كاملا ، وقمت بنشر بعضه في جريدة “المنارة” التي تصدر في البصرة وفي بعض المواقع الالكترونية الدولية. ا
لآن وبعد استقرار الوضع الأمني في المدينة بعد “صولة الفرسان” التي أزاحت عن كاهل البصرة الخوف والرعب والقتل الذي شمل شرائح عدة ومنها بالذات العاملين في الحقل المسرحي و الفني انشر هذا الحوار كاملا مع شيئا من السيرة الفنية لللناقد . أكثر من ربع قرن والناقد المسرحي “حميد مجيد مال الله” يواصل كتاباته في العروض المسرحية العراقية ليقدم رؤى نقدية تطبيقية لها..كان يشد الرحال في منتصف السبعينيات ،مساء الخميس أو صباح الجمعة، من البصرة إلى بغداد ليشاهد العروض المسرحية المهمة،ويعود ليلا متوجهاً إلى عمله في التعليم صباحاً، ويكتب في تلك العروض بتأن ودقة وحرص . وكذلك يتابع العروض المسرحية في البصرة مهما كان مستواها والجهات التي تقدمها ويعمد إلى الكتابة عنها بروح المسؤولية الثقافية-الفنية وهو عضو اتحاد الفنانين ورابطة نقاد المسرح وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين والعرب. كتب واعد ومثل واخرج بعض الاعمال المسرحية و منذ عقد الثمانينيات مساهم في اغلب لجان تحكيم المهرجانات المسرحية التي أقيمت في البصرة ، والمحافظات الأخرى ومنها بغداد .
*تخصصت في النقد المسرحي بعد ممارسة تطبيقية في التقنية المسرحية، هل هذا ضروري للناقد المسرحي؟
-التخصص في النقد المسرحي هدف إشكالي، السعي إليه يتطلب منهجية نقدية محددة بل المنهج الأكثر حداثة، متغيرات منهجيات البحث قد تعود إلى عقود سابقة إلا أن تطوراتها (يومية الآن!) وما نستقبله (نستوعبه) في عداد الماضي إذا أدركنا ان أمس يصبح في عداد الماضي في حقبة نقد اليوم، نقد ما بعد البنيوية. نص النقد الذي اكتبه يتحدد ما بين (العرض النقدي والمسرحي) و (النقد المسرحي الصحفي) تخطي النوعين ربما يتحقق بحدود بسبب محددات (نص النقد المسرحي) ومنها التخصص الأكاديمي وإنتاج البحوث النقدية بتواصل واستيعاب الحديث في طرفي الإنتاج (الراسل) والتلقي مع الإقرار بتوافر التقنيات المعلوماتية في قريتنا الكونية.
-التخصص في النقد المسرحي هدف إشكالي، السعي إليه يتطلب منهجية نقدية محددة بل المنهج الأكثر حداثة، متغيرات منهجيات البحث قد تعود إلى عقود سابقة إلا أن تطوراتها (يومية الآن!) وما نستقبله (نستوعبه) في عداد الماضي إذا أدركنا ان أمس يصبح في عداد الماضي في حقبة نقد اليوم، نقد ما بعد البنيوية. نص النقد الذي اكتبه يتحدد ما بين (العرض النقدي والمسرحي) و (النقد المسرحي الصحفي) تخطي النوعين ربما يتحقق بحدود بسبب محددات (نص النقد المسرحي) ومنها التخصص الأكاديمي وإنتاج البحوث النقدية بتواصل واستيعاب الحديث في طرفي الإنتاج (الراسل) والتلقي مع الإقرار بتوافر التقنيات المعلوماتية في قريتنا الكونية.
*ضَعنا في الصورة بوضوح؟
-كما تعلم, أو افترض هذا, في مطلع السبعينيات بدأت العمل داخل فرقة هواة (جماعة كتابات مسرحية) ومؤسسيها الأوائل الناقد والكاتب المسرحي إستاذي بنيان صالح والكاتب المسرحي عبد الصاحب إبراهيم، والذي تم تهجيره خارج وطنه العراق خلال السبعينيات بحجة التبعية، والناقد الإستاذ ياسين النصير، وفيما بعد المرحوم الكاتب والمخرج جبار صبري العطية والأستاذ عزيز الساعدي ود. كاظم عيدان لازم ، حيث التثقيف المسرحي الجماعي والذاتي مع الممارسة والتطبيق والكتابة في الصحف والمجلات والدوريات لسنين وعقود. وضَعت تأسيساً لمكونات أدواتي إضافة إلى (التلقي المسرحي) في عدة مدن ومنها بغداد بالطبع، ومتابعة تدريبات الفرق والتعقيب النقدي في عدد من المهرجانات وقراءة النصوص المطبوعة والمخطوطة.
*بدأت ناقداً تبحث في ثيمة العرض المسرحي عما هو اجتماعي متطابق مع الراهن، ثم توجهت نحو خطاب الحداثة،وألاحظ انك تكاد تتخطى أسسك النقدية القديمة في خطاباتك الراهنة..كيف؟ ولماذا؟
– بدأت بالعرض النقدي الصحفي وهو من تفرعات نص النقد. كان لا بد من إرسائه على أرضية ما، فكانت السسيولوجيا.. إهمال فضاءات المسرح الأخرى وإعارتها أهمية متدرجة بعد (الفكرة) ربما تعود إلى مفارقة شاسعة بين ما أراه على مسارحنا وبين خزين متراكم في الذاكرة يتعلق بطرائق تمثيل راقية عبر شاشات السينما . كنت مشاهداً دؤوباً للأفلام الأجنبية منذ مطالع الخمسينيات علمت متأخراً إنني كنت أشاهد المنهج أو الطريقة لـ(ستانسلافسكي) عبر أداء عدد من نجوم السينما الأمريكية خاصة في الأفلام التي أخرجها (إيليا كازان)،بالطبع نص النقد يحلل فضاءات العرض المسرحي الثلاثة ، النصي والمنصي والمتلقي ، وفقاً للنظريات القديمة والحديثة وهي تستكشف المعنى والمبنى.. تجاهل فضاء محدد والتركيز على واحد منها يشكل خللاً رؤيوياً. أخضعت كتاباتي السابقة واللاحقة إلى نقد ذاتي، شَخّصت فيه قصورها،بعض الأطاريح الأكاديمية في السياق، والتي درست نصوصا ًنقدية مما كتبته انا و توصلت إلى (النتيجة) التي أشرتَ انتَ اليها بدقة، ومنها اطروحة في (نقد النقد المسرحي) للدكتور (محمد أبو خضير) وإطروحة (النقد المسرحي في العراق) للدكتور(ضياء الثامري) وكذلك في تحليل أكاديمي للدكتور(عبد الفتاح عبد الأمير) تناول فيه دراسة مقارنة بين نصوص النقد لناقدين هما (نازك الاعرجي) و(حميد مجيد مال لله) .
*في كتاباتك الراهنة تحفر في جسد العرض المسرحي بآليات حداثوية ومنظومات فلسفة جمال العرض وتشكيلاته الأسلوبية على عروض لهواة جلّهم من الطلبة وهذه مفارقة إجرائية بالنظر لتدني المواهب وقلة خبرتها وفقر الإمكانات. وتلك العروض اساساً تندرج ضمن الاستحقاقات الدراسية ولا يمكن عدها عروضاً احترافية متكاملة.
-أنا مخير بين الخوض والتجاهل لعروض ما بعد التغيير العاصف ، النتاج المسرحي جزرات ضئيلة وسط فضاء محدب، والكلام عن المسرح في مدينتنا تشكيلات تنتج مرة ومرتين ثم تصمت!؟ العاملون فيها من خريجي معاهد وكليات الفن ومن الهواة، عاطلون عن العمل غالباً وعن التدريب!؟ وفي حالة انقطاع تام عن مستجدات التحديث المسرحي مع نقص مريع في الثقافة العامة والفنية والمنهج، الا أن فضيلتهم الكبرى أنهم يجاهدون لإثبات وجود مسرحي مغيّب في فوضى حياة الآن وسطوة الاحتلال البغيضة مع انكفاء (رجوعي )-التعبير للراحل (د. مصطفى جواد)- يعمل على إزاحة ووأد(الفن ومنه المسرح) أو تدجينه في اطر الجمود والتحجر!؟ أرى في نتاجات هؤلاء الفتية ما رأيتَ في سؤالك ، إلا أن جهدهم بحاجة الى ضوء من نوع ما.أما تشخيصك للأدوات النقدية فلقد حاولت الى جانب الكتابة عن الشباب المسرحي و نتاجاتهم, والاشتغال على (المسرح العراقي) في محاولات تطبيقية ضمن أوراق نشرتها في صفحات ثقافية مسرحية في صحف المدى وطريق الشعب والصباح والاتحاد والمنارة والأخبار، منها ما يتعلق بمسرح الصورة والكيروغراف والعلامات الإخراجية ومسرح الطفل والأداء ونص النقد المسرحي.
* ما المقصود ( بنص النقد المسرحي) ؟
عود الى كلاسك المعنى، نصَّ ،ن ص ص (الشيء): رفعه.. ونص الحديث الى فلان: رفعه أليه..و(نص كل شيء): منتهاه( مختار الصحاح- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي – دار الرسالة- كويت 1983) ويتداول ( معجم المصطلحات المسرحية) و( الموسوعة المسرحية) مفردات نقد criticsm ونقد المسرحي dramatic criticism ومقال نقدية critique (معجم المصطلحات المسرحية أعداد سمير عبد الرحيم الجلبي ـ دار المأمون للترجمة والنشر ـ بغداد 1993) و ( جون رسل تيلر ـ الموسوعة المسرحية الجزء الأول ترجمة سمير عبد الرحيم الجلبي ـ دار المامون للترجمة والنشر ـ بغداد 1990).. (نص النقد المسرحي) معني بتحليل وتأويل وتقييم (قراءة) العرض المسرحي ومكوناته لاستكشاف غائيته وحرفياته وجمالياتها وارتباطها بحياة الناس. بظهور منهجيات نقدية حديثة لوحظ سريان مفردات جديدة في البحث الأكاديمي ورسائل الإجازة والماجستير والدكتوراه وسرت بدورها في الكتب والمؤلفات النقدية النظرية والتطبيقية وفي النقد المسرحي الصحفي والمتابعات..من تلك المفردات مفردة (نص) التي اشتغلت في حقل السرديات وأقترنت بمصطلحات الرواية والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، والملاحم ونتاجات منفلتة خارج التجنيس..مع تداولية المفردة في فن الخطابة والكتب المقدسة السماوية والأرضية، وتوصف فقرات القوانين والدساتير بالنصوص. كاستعارة من تداوليتها في الحياة الدنيوية أفادت منها المنهجيات الأدبية والفنية وأخضعتها الى موجهاتها ومحدداتها، فلا غرابة في جملة ( نص النقد المسرحي) التي اعنيها، لقد شهد فن المسرح هذا المصطلح حديثا، ولم يكن في الكتابة الستينية والسبعينية بهذه السعة؛ إذ كان يطلق على النص المؤلف فحسب، أما الآن فمن المألوف الحديث عن(نص العرض المسرحي) ولغرض تحليل مكوناته يقال (نص الإخراج) و(نص الأداء/ التمثيل) ونصوص باقي المكونات المسرحية. النقد المسرحي نتاج أبداعي مستقل بحدود له قوانينه وإجراءاته وأنظمة التي تؤهله مكانة( نص) سواء كانت مفردة أما مصطلحا ًفي طريقه للتشكل.
* وإجراءاته في النقد المسرحي؟
– تتعدد إجراءاته وتتنوع حسب المنهج واجتهاد الناقد ويمكن ان أورد إجراءات لمناهج في أنتاج ( النص النقدي) التطبيقي من خلال الإجابة على تساؤلات لقراءة عرض مسرحي ومنها-: ماذا يربط عناصر العرض المسرحي معا؟ علاقتها بنظام الإخراج التماسك والتفكيك،المبادئ الجمالية.. ما الذي تجده مرتبكا؟ اللحظات” الذرى” القوية، والأخرى الضعيفة والمملة.
السينوغرافيا: الأشكال المكانية والمعمارية والمنظرية والإيمائية..مبادئ تنظيم المكان..العلاقة الجدلية بين ما هو على المسرح وما هو خارجه، الروابط بين المكان وخيال النص الدرامي المعروض.. نظام الألوان ودلالاته، الملحقات المسرحية: نوعها، وظيفتها، علاقتها بفضاء المسرحية وبأجساد الممثلين/ الممثلات ـ الملابس ـ الأزياء: كيف تؤدي وظيفتها كعلامات، علاقتها بأبدان المؤدي/ المؤدية، دلالتها الفنية والاجتماعية، علاقتها بالزمن المسرحي والمكان.الأداء/ التمثيل: الأسلوب تقليدي تدويري أم متجدد متفرد؟ العلاقة بين الممثل وأقرانه على المنصة..العلاقة بين النص والجسد، علاقة الممثل بدوره، نوعية الإيماءات والنظام الحركي mime، ونوعية ودرجات الأصوات، كيفية تطور الحوار، العلاقة بين فضائي التمثيل والتلقي، تفسير خط” القصة” في الأداء: أي حكاية تتم روايتها..وظيفة الموسيقى والمؤثرات الصوتية: لحن موضوع أم اقتباس، بث حي مباشر أم تسجيل.إيقاع العرض: الإيقاع الكلي، إيقاع نظم دالة ” الاضاءة، الأزياء، الإيماءات”..إيقاع ثابت أم مكسور؟ ما هو نوع الخيارات الدراما تورجية التي تبناها العرض؟ ما هي وجه الغموض؟ ما هي نقاط التفسير؟ اهو عرض مسرحي مفتوح أم مغلق؟ كيف تبنى الحبكة؟ كيف تبنى القصة بواسطة الممثلين/ الممثلات؟ وكذلك بواسطة الإخراج؟ ما نوع النص الدرامي؟ النص معروضاً..السمات الأساسية للرؤى، ما دور النص الدرامي إخراجيا؟ العلاقة بين النص والصورة المسموعة.. المرئية..أي صورة بقيت في ذاكرتك؟ ما هو الذي لا يمكن وضعه في شكل علاقات؟ ما الذي لم يكن له معنى في محاولتك لتفسير العرض؟ ما الذي لا يمكن اختزاله الى معنى؟ ولماذا؟ هل هناك مشكلات خاصة تحتاج الى فحص؟ وهناك إجراءات أخرى في التلقي: استجابة الجمهور، الاستبيان المتعلق بالعرض المسرحي، الفئات المشمولة..وللإحاطة بفضاء العرض المسرحي بكامله هناك إجراءات لتدوينه”بالفوتوغرافيا والفيلم السينمائي” أي تدوين العرض تقنيا للإفادة منه في (القراءة).
*هل يمكن للنقد المسرحي أن يؤسس للحركة المسرحية مع أن إجراءاته تبدأ بعد إسدال الستار ، وهو يتوجه إلى النخبة بالذات؟
-الخطاب المسرحي العراقي يمد النقد بلغة اصطناعية ، أوما يسمى بالميتالغة (Metalanguage) لتحليل تلك اللغة وهي شفروية من كلام شفروي (تلفظ محسوس مادي) وفقاً لـ(رولان بارت) تمييزاً له عن النظام اللغوي المدون، وشفرات بدنية وصورة مسرحية Theatricality)) النقد يحلل العلامات المميزة ويستكشف العلاقات بينهما، كما يستكشف ماهية المعنى وكيفية إبداعه في نص العرض المسرحي، وكيفية تشكل الدال المسرحي ، وما هي نماذجه في فضاء المسرح و ..و..الخ وكما ترى العلاقة جدلية تبدأ قبل رفع الستار هذا ان كان هناك ستار من رصد العلاقات بين النظام العلاماتي الخاص بالفضاء النصي ، وبين النظام العلاماتي الخاص بسياق العرض .. والتوتر الناشئ بينهما .. (الجدل بين المهارة الفنية في تشفير نص العرض وسياقاته على المنصة وبين التلقي الواعي، والتلقي النقدي، وحل شفراته) و تأسيس النقد لحركة مسرحية، إشكالية تتطلب الحذر الشديد طرح تساؤل مثل : لمن الأسبقية للدراما الإغريقية العظيمة أم لقوانين النقد الأرسطية؟ اعتقد بوضوح الجواب..لوخففنا الوقع وادعينا بتنوير إمكانيات المسرح المعرفية جمالياً, والوعي بتلك الإمكانيات وفضح وتعرية الإساءات في استخدام تلك الإمكانيات, لربما ستتكون مقاربة من نوع ما بين النقد والمسرح.(النخبة) مستهلكة للعرض المسرحي والنقد،(النخبة)جزيرة خيالية تتسع أو تضيق تبعاً لعوامل موضوعية، كما ترى هناك نقداً ارتجالياً يتبع بعض العروض، أو في مواعيد لاحقة هناك (التعقيب) النقدي ورواده و(النقد) المقروء ومتلقيه عبر وسائل البث الكلاسيكية والحديثة ، وما تنتجه من قراءات متعددة وأفكار تتواصل. ألا تتجدد لحد الآن نظريات مدرسة براغ الشكلانية ..؟ في سيمائية النص والعرض معاً في السيموطيقا الآن رغم ظهور المنهج في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي كذلك المنهج الأقدم : الأرسطي..
*في مداخلة لك على منصة اتحاد ادباء البصرة تحدثت عن الالتفات نحو (مسرح الأمس بغضب) كيف يمكن اعتماد ذلك؟ وما المدى الذي يصله الغضب؟ وما هي الإجراءات وقبل كل شيء لماذا؟
-جملة الأسئلة تتناسل عن بعض … الغضب على مسرح الأمس يمتد -كما ازعم- تاريخياً منذ النشأة ولحد الآن! .النشأة في نهاية القرن التاسع عشر عندنا ومطالع العشرين كانت ساذجة مقلدة حد الجهل الا تميز بين الرواية والمسرح والخطابة ، محملة بالاقتباس من التراث ، تحاكي أسوأ المنهجيات كما الميلودراما كمثال. وإذا كان هذا ارثنا من (أجداد) المسرح العراقي ، الذي ولد كسيحاً! في المدارس والأديرة والأندية والتجمعات الثقافية . فانه تواصل مع (الآباء) بتقليد مفاهيم الفرق المصرية الزائرة عن المسرح والأوائل من دارسي المسرح في الخارج وبصراحة هو واحد فقط حاول إرساء النهج العلمي عبر بضعة تأسيسات بقيت نخبوية تفتقر للاجتهاد والمنهجيات المسرحية الحديثة اشتغلت هنا بجهود الأكاديميين ولكن بعد انحسارها هناك في مرجعياتها! وعدت من الحداثة هنا إلا أنها من (الاحفوريات) هناك ! واستمر استقبال المتأخر الذي يبوأ في مكانه الجديد.. ويقدم وفق محاكاة صاخبة الأصل. الخطوة التالية لجيل الوسط اتسمت بتبيئة تلك المنهجيات التي شقت طريقاً جمالياً في فضائيات النص والإخراج والأداء والتلقي، إلا أنها ظهرت في زمن (خانق) مما جعل غالبيتها مندمجة بأيديولوجية السلطة السالبة إلا ما ندر. فهي اما مسرح أو ماجي كما قدمه البعض ، أو مسرح اتخذ الزلفى والتزلف وفي بعض الحالات تقدم المحاضرة في مقدمات ومؤخرات لا علاقة لها بفضاء العرض، وفي حالات تعشق كي تساير موجهات المؤسسة ، مما خلق رقيباً داخلياً يبحث عن رضا الرقيب الآخر ويبتعد عن مناخ حرية الفن. مسرح الصورة كان ابلغ الغاضبين على مسرح الأمس! ببياناته الخمسة أولاً واطروحاته في عروضه المسرحية بالدرجة الثانية! إلا أنها “موضع” غضب الآن بسبب جدلية التنظير والتطبيق مما وضعها في تطرف شكلاني غامض ، وبحثها عن جمهور نخبوي ودخولها في رطانة فلسفية وعزلتها عن تفعيل الحركة المسرحية وعن تفعيل بياناتها. يصعب اقتراح البدائل ، فنحن نتحدث عن المسرح كصرح حضاري لا يغفل جهود وإبداعات المبدعين قادة الثورات الفنية ولا العوامل النهضوية الموضوعية .. هناك يتطورون لان الوعي مشترك، وعي الفن المسرحي وصناعه، ووعي التلقي وهي معادلة دائمة الخلل في بيئتنا ، ذات الجزر الجارف ! والمد النادر جداً.. نظرة الغضب تطال ماضي مسرحنا برمته حتى اليوم 2006 لانه افتقر إلى المنهجية في البدء، وظل تابعاً للمناهج العالمية وتحمل أوزار مرحلتها التاريخية في المنشأ، وطبقت بدون اجتهاد دزووي، ، وكأمثلة الآن ينشط الميم والبانتوميم والمسرح الراقص والمسرح المهمش للعلامات اللغوية وكذلك الخروج عن المعمارية الهندسية التقليدية للمنصة وكلها من معروضات متحف تاريخ المسرح في العالم! وفي استنباءاته للمستقبل ونحن نشهد تلك الاستنباءات اليوم! نعايش فشلاً ذريعاً لتلك التصورات المبتغاة على شعارية الايديلوجيا ، وخيالات المتخايلين والشعارات الجامدة والأحلام الوردية وتضليل الواقع الدامي بآخر سعيد هناك! والذي بدوره تفكك صريعاً ! ونشهد إخفاق الأهداف والغائيات التي سكتها وسارت بهديها تلكم العروض لافتقارها للثيمات الكونية ولاصطفافها الساذج مع اليومي الشعاري لا الوقائعي.
– الآن أين المسرح العراقي وهل ينسجم ماضيه الفعاّل-المؤثر مع حاضره؟ وكيف يمكن للحركة المسرحية أن تستعيد قدراتها التأثيرية في الوعي الاجتماعي العراقي؟
*رصد مسرح العراق الآن ومستقبله أشبه باستكشاف قارة (تثرم) أناسها، وتبتلعهم أرضها بمعدل يومي متواصل، والمسرحي يقف في طابور الفناء.. ذلك هو فضاء الحياة اليومية والمسرح ضمنا.. والدليل ان” ورشة المسرح” في مؤتمر المثقفين لوزارة الثقافة الذي عقد زمن استيزار الأستاذ مفيد الجزائري، الذي جمع كلمتهم عبر ورقة عمل ومقترحات مكثوا الى اليوم في انتظار جودو..! عله يعينهم على تنفيذها وكذلك مصير مقررات “ندوة الحوار المفتوح لمناقشة واقع الحركة المسرحية” التي عقدت في البصرة. بمجاورة حياتنا اليومية المدماة، واختراقاً لقوقعة اليأس والتشاؤم التي تطوينا بعنف أقول هناك كليات ومعاهد فن تستقطب وتؤهل الطاقات المسرحية الفنية، فيها مسرحيون إعلام..وتوجد فرق في منظمات المجتمع المدني وبضعة فرق رسمية ومنها المتخصصة بمسرح الطفل، وعروض ومهرجانات مسرحية، وندوات و” ورش -مشاغل مسرحية” على قلتها تشكل رصيداً ثابتا لحراك اتٍ..المسرحي العراقي واعي يتحدى الصعاب دائماً..الم يقدم عرضاً على مسرح الرشيد المدمر بالات الحرب والحرائق والنهب التي ادخلها الاحتلال معه، الم يقدم عروضاً في الشارع المفخخ المدمج بالقتلة..أشير الى مهرجانات منها خاصة بمسرح الطفل ومسرح الفتيان والمدارس والمونودراما.. حراك محدود بجمهوره، وتدويري في الثيمات الآنية، والاداء والسينورغافيا والرؤى الإخراجية. الآن هناك نتاجات متطورة حصدت جوائز عربية في النص والتمثيل..في مدينتنا حيث ريادة فن الاوبريت المتطور ، ثمة حراك شبابي غالبا يتحدى الظلاميين.. الذين فرضوا مسرحاً ذكورياً! وحددوا انتاجات واطاريح ومهرجانات كلية الفنون ومعهد الفنون، وفرضوا ( اجندة احزان) سنوية تمنع أي نشاط فيه وانطلاق حتى ولو كان احتفال بيوم المسرح العالمي.. وتحديا لتابو تغييب الممثلات فرض حزب عريق بمناسبة احتفاله بذكرى تأسيسه ظهور مؤديات مثلن في اوبريت قبل شهور، وإيضاحا لظرفية هذا العمل كنموذج لما يجابه الفنان من أخطار، أورد الحقائق التالية: ملحن الاوبريت الدكتور(…) انجز الحانه وهو يمر بحالة نفسية مرة إذ اغتيل شقيقه وهو شاب قبل مدة قصيرة.. مدرب الرقص مصمم اللوحات الفنان(…) اغتيلت شقيقته رمياً بالرصاص في حادث سابق..كل ذلك يسوغ صمت جيل المؤهلين، ومنهم من يواصل أنتاج المسرح رغم الصعاب، واجد نفسي منساقا للاستطراد في أيراد وقائع كابحة ، خاصة وان المسرح يتطلب فريق عمل وحضور تدريبات ومكان.. فنان من أبناء المدينة يحمل شهادة دكتوراه في المسرح أسهم في تحريك الجو المسرحي، تعرض الى حادث اغتيال ومطاردة داخل بيته وسط المدينة، قفز على جدران بيت مجاور وسقط مصاباً بكسور، شد الرحال وعاد الى منفاه في لندن. ممثلة بصرية تعد من الممثلات القديرات في تجارب مسرح الصورة للدكتور صلاح القصب، أستاذة مادة البايوميكانك تحمل” الدكتوراه” تعرضت في سيارتها الى ملاحقة من قبل ملثمين مسلحين، ونجت باعجوبة، غادرت المدينة الى المنفى، وسبق وان قتلت زوجة أخيها رمياً. شاب دكتوراه فن تشكيلي قتل عصراً أمام الناس بمكتبه في الشارع(الوطني) بالعشار واستاذ للموسيقى في كلية الفنون الجميلة طاردته سيارة “البطة” ،المعروفة والمشهورة في المدينة، بمجرد خروجه من باب مجمع كليات باب الزبير، وتخلص من المطاردة بفعل الصدفة ليس إلا،وهناك الكثير جدا مما يمكن أن يروى عما فعله ونفذه في البصرة “الملثمين المسلحين و بطتهم”..هذه أمثله من فضاء العمل الفني والمسرحي الآن..! أعايش مساره عن قرب. المسرحيون في المدينة يعملون بالممكن..! لحمل مشعل فن حضاري لجمهور محدود جداً..ان جزر الإنتاج المتوهجة وجزر التلقي هي ما تبقى من ذخيرتنا لذا أجد صعوبة وتعقيداً عند مقارنتها مع ذلك الماضي التنويري لمسرحنا الذي يواصله بحرية المسرحيون العراقيون في المنافي.. التأثير على الوعي الاجتماعي مهمة اليوم ولكن ليس بمقدور المسرح انجازها لوحده.. ومنفذه فرق المسرح الرسمية التابعة لوزارة الثقافية، ودور المؤسسات الأكاديمية”كليات الفنون الجميلة” في تفعيل الحركة المسرحية داخل الحرم الجامعي وخارجه، وتنشيط ” وحدات النشاط الفني” الجامعية وتعيين الخريجين الاختصاص في الإدارة والتخطيط والتدريب.. والأمر ينطبق على “معاهد الفنون الجميلة” التابعة لوزارة التربية ومسؤوليتها عن”المسرح المدرسي” بإقامة مهرجانات سنوية له، وتشكيل فرق مسرحية بمديريات النشاط ورصد ميزانيات للإنتاج لمراكز أنتاج المسرح..وإعادة نشاطات الفرق المسرحية الأهلية العريقة وأخرى جديدة، وإيجاد مؤسسات برؤوس اموال للاستثمار المسرحي تراعي حقوق الكوادر العاملة. وتشجيع منظمات المجتمع المدني في تشكيل فرق خاصة بها بكوادر أكاديمية ومن هواة المسرح تعمل في كل بيئات العراق مراكز المدن والأرياف، مع بناء مسارح بمعمارية متطورة خاصة للعروض المسرحية والأوبرا. أشير الى أهمية الثقافية الحرفية والجمالية والثقافية العامة، والمران والتدريب المتواصل للمثل، بهدف الارتقاء بالمهارات الأدائية/ التمثيلية، وهو منهج يواكب التوجهات الحديثة التجريبية لتنمية وإبراز إبداعات الممثل- الممثلة، ولتوفير المرونة البدنية والصوتية.. كذلك التهيؤ المسبق الكافي بإعطاء حيز مناسب للبروفات التي تسبق العرض، مع ضرورة العناية المركزة بجماليات العروض من خلال توظيف كل التقنيات المسرحية التي تشكل نسيج الفضاء المسرحي..وابتكار أساليب جديدة وطرق ثيمات متجددة في كتابة النص المسرحي، وطرائق الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا تواكب غرائب حياتنا وتساير الحداثة المسرحية في العالم.
-كما تعلم, أو افترض هذا, في مطلع السبعينيات بدأت العمل داخل فرقة هواة (جماعة كتابات مسرحية) ومؤسسيها الأوائل الناقد والكاتب المسرحي إستاذي بنيان صالح والكاتب المسرحي عبد الصاحب إبراهيم، والذي تم تهجيره خارج وطنه العراق خلال السبعينيات بحجة التبعية، والناقد الإستاذ ياسين النصير، وفيما بعد المرحوم الكاتب والمخرج جبار صبري العطية والأستاذ عزيز الساعدي ود. كاظم عيدان لازم ، حيث التثقيف المسرحي الجماعي والذاتي مع الممارسة والتطبيق والكتابة في الصحف والمجلات والدوريات لسنين وعقود. وضَعت تأسيساً لمكونات أدواتي إضافة إلى (التلقي المسرحي) في عدة مدن ومنها بغداد بالطبع، ومتابعة تدريبات الفرق والتعقيب النقدي في عدد من المهرجانات وقراءة النصوص المطبوعة والمخطوطة.
*بدأت ناقداً تبحث في ثيمة العرض المسرحي عما هو اجتماعي متطابق مع الراهن، ثم توجهت نحو خطاب الحداثة،وألاحظ انك تكاد تتخطى أسسك النقدية القديمة في خطاباتك الراهنة..كيف؟ ولماذا؟
– بدأت بالعرض النقدي الصحفي وهو من تفرعات نص النقد. كان لا بد من إرسائه على أرضية ما، فكانت السسيولوجيا.. إهمال فضاءات المسرح الأخرى وإعارتها أهمية متدرجة بعد (الفكرة) ربما تعود إلى مفارقة شاسعة بين ما أراه على مسارحنا وبين خزين متراكم في الذاكرة يتعلق بطرائق تمثيل راقية عبر شاشات السينما . كنت مشاهداً دؤوباً للأفلام الأجنبية منذ مطالع الخمسينيات علمت متأخراً إنني كنت أشاهد المنهج أو الطريقة لـ(ستانسلافسكي) عبر أداء عدد من نجوم السينما الأمريكية خاصة في الأفلام التي أخرجها (إيليا كازان)،بالطبع نص النقد يحلل فضاءات العرض المسرحي الثلاثة ، النصي والمنصي والمتلقي ، وفقاً للنظريات القديمة والحديثة وهي تستكشف المعنى والمبنى.. تجاهل فضاء محدد والتركيز على واحد منها يشكل خللاً رؤيوياً. أخضعت كتاباتي السابقة واللاحقة إلى نقد ذاتي، شَخّصت فيه قصورها،بعض الأطاريح الأكاديمية في السياق، والتي درست نصوصا ًنقدية مما كتبته انا و توصلت إلى (النتيجة) التي أشرتَ انتَ اليها بدقة، ومنها اطروحة في (نقد النقد المسرحي) للدكتور (محمد أبو خضير) وإطروحة (النقد المسرحي في العراق) للدكتور(ضياء الثامري) وكذلك في تحليل أكاديمي للدكتور(عبد الفتاح عبد الأمير) تناول فيه دراسة مقارنة بين نصوص النقد لناقدين هما (نازك الاعرجي) و(حميد مجيد مال لله) .
*في كتاباتك الراهنة تحفر في جسد العرض المسرحي بآليات حداثوية ومنظومات فلسفة جمال العرض وتشكيلاته الأسلوبية على عروض لهواة جلّهم من الطلبة وهذه مفارقة إجرائية بالنظر لتدني المواهب وقلة خبرتها وفقر الإمكانات. وتلك العروض اساساً تندرج ضمن الاستحقاقات الدراسية ولا يمكن عدها عروضاً احترافية متكاملة.
-أنا مخير بين الخوض والتجاهل لعروض ما بعد التغيير العاصف ، النتاج المسرحي جزرات ضئيلة وسط فضاء محدب، والكلام عن المسرح في مدينتنا تشكيلات تنتج مرة ومرتين ثم تصمت!؟ العاملون فيها من خريجي معاهد وكليات الفن ومن الهواة، عاطلون عن العمل غالباً وعن التدريب!؟ وفي حالة انقطاع تام عن مستجدات التحديث المسرحي مع نقص مريع في الثقافة العامة والفنية والمنهج، الا أن فضيلتهم الكبرى أنهم يجاهدون لإثبات وجود مسرحي مغيّب في فوضى حياة الآن وسطوة الاحتلال البغيضة مع انكفاء (رجوعي )-التعبير للراحل (د. مصطفى جواد)- يعمل على إزاحة ووأد(الفن ومنه المسرح) أو تدجينه في اطر الجمود والتحجر!؟ أرى في نتاجات هؤلاء الفتية ما رأيتَ في سؤالك ، إلا أن جهدهم بحاجة الى ضوء من نوع ما.أما تشخيصك للأدوات النقدية فلقد حاولت الى جانب الكتابة عن الشباب المسرحي و نتاجاتهم, والاشتغال على (المسرح العراقي) في محاولات تطبيقية ضمن أوراق نشرتها في صفحات ثقافية مسرحية في صحف المدى وطريق الشعب والصباح والاتحاد والمنارة والأخبار، منها ما يتعلق بمسرح الصورة والكيروغراف والعلامات الإخراجية ومسرح الطفل والأداء ونص النقد المسرحي.
* ما المقصود ( بنص النقد المسرحي) ؟
عود الى كلاسك المعنى، نصَّ ،ن ص ص (الشيء): رفعه.. ونص الحديث الى فلان: رفعه أليه..و(نص كل شيء): منتهاه( مختار الصحاح- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي – دار الرسالة- كويت 1983) ويتداول ( معجم المصطلحات المسرحية) و( الموسوعة المسرحية) مفردات نقد criticsm ونقد المسرحي dramatic criticism ومقال نقدية critique (معجم المصطلحات المسرحية أعداد سمير عبد الرحيم الجلبي ـ دار المأمون للترجمة والنشر ـ بغداد 1993) و ( جون رسل تيلر ـ الموسوعة المسرحية الجزء الأول ترجمة سمير عبد الرحيم الجلبي ـ دار المامون للترجمة والنشر ـ بغداد 1990).. (نص النقد المسرحي) معني بتحليل وتأويل وتقييم (قراءة) العرض المسرحي ومكوناته لاستكشاف غائيته وحرفياته وجمالياتها وارتباطها بحياة الناس. بظهور منهجيات نقدية حديثة لوحظ سريان مفردات جديدة في البحث الأكاديمي ورسائل الإجازة والماجستير والدكتوراه وسرت بدورها في الكتب والمؤلفات النقدية النظرية والتطبيقية وفي النقد المسرحي الصحفي والمتابعات..من تلك المفردات مفردة (نص) التي اشتغلت في حقل السرديات وأقترنت بمصطلحات الرواية والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، والملاحم ونتاجات منفلتة خارج التجنيس..مع تداولية المفردة في فن الخطابة والكتب المقدسة السماوية والأرضية، وتوصف فقرات القوانين والدساتير بالنصوص. كاستعارة من تداوليتها في الحياة الدنيوية أفادت منها المنهجيات الأدبية والفنية وأخضعتها الى موجهاتها ومحدداتها، فلا غرابة في جملة ( نص النقد المسرحي) التي اعنيها، لقد شهد فن المسرح هذا المصطلح حديثا، ولم يكن في الكتابة الستينية والسبعينية بهذه السعة؛ إذ كان يطلق على النص المؤلف فحسب، أما الآن فمن المألوف الحديث عن(نص العرض المسرحي) ولغرض تحليل مكوناته يقال (نص الإخراج) و(نص الأداء/ التمثيل) ونصوص باقي المكونات المسرحية. النقد المسرحي نتاج أبداعي مستقل بحدود له قوانينه وإجراءاته وأنظمة التي تؤهله مكانة( نص) سواء كانت مفردة أما مصطلحا ًفي طريقه للتشكل.
* وإجراءاته في النقد المسرحي؟
– تتعدد إجراءاته وتتنوع حسب المنهج واجتهاد الناقد ويمكن ان أورد إجراءات لمناهج في أنتاج ( النص النقدي) التطبيقي من خلال الإجابة على تساؤلات لقراءة عرض مسرحي ومنها-: ماذا يربط عناصر العرض المسرحي معا؟ علاقتها بنظام الإخراج التماسك والتفكيك،المبادئ الجمالية.. ما الذي تجده مرتبكا؟ اللحظات” الذرى” القوية، والأخرى الضعيفة والمملة.
السينوغرافيا: الأشكال المكانية والمعمارية والمنظرية والإيمائية..مبادئ تنظيم المكان..العلاقة الجدلية بين ما هو على المسرح وما هو خارجه، الروابط بين المكان وخيال النص الدرامي المعروض.. نظام الألوان ودلالاته، الملحقات المسرحية: نوعها، وظيفتها، علاقتها بفضاء المسرحية وبأجساد الممثلين/ الممثلات ـ الملابس ـ الأزياء: كيف تؤدي وظيفتها كعلامات، علاقتها بأبدان المؤدي/ المؤدية، دلالتها الفنية والاجتماعية، علاقتها بالزمن المسرحي والمكان.الأداء/ التمثيل: الأسلوب تقليدي تدويري أم متجدد متفرد؟ العلاقة بين الممثل وأقرانه على المنصة..العلاقة بين النص والجسد، علاقة الممثل بدوره، نوعية الإيماءات والنظام الحركي mime، ونوعية ودرجات الأصوات، كيفية تطور الحوار، العلاقة بين فضائي التمثيل والتلقي، تفسير خط” القصة” في الأداء: أي حكاية تتم روايتها..وظيفة الموسيقى والمؤثرات الصوتية: لحن موضوع أم اقتباس، بث حي مباشر أم تسجيل.إيقاع العرض: الإيقاع الكلي، إيقاع نظم دالة ” الاضاءة، الأزياء، الإيماءات”..إيقاع ثابت أم مكسور؟ ما هو نوع الخيارات الدراما تورجية التي تبناها العرض؟ ما هي وجه الغموض؟ ما هي نقاط التفسير؟ اهو عرض مسرحي مفتوح أم مغلق؟ كيف تبنى الحبكة؟ كيف تبنى القصة بواسطة الممثلين/ الممثلات؟ وكذلك بواسطة الإخراج؟ ما نوع النص الدرامي؟ النص معروضاً..السمات الأساسية للرؤى، ما دور النص الدرامي إخراجيا؟ العلاقة بين النص والصورة المسموعة.. المرئية..أي صورة بقيت في ذاكرتك؟ ما هو الذي لا يمكن وضعه في شكل علاقات؟ ما الذي لم يكن له معنى في محاولتك لتفسير العرض؟ ما الذي لا يمكن اختزاله الى معنى؟ ولماذا؟ هل هناك مشكلات خاصة تحتاج الى فحص؟ وهناك إجراءات أخرى في التلقي: استجابة الجمهور، الاستبيان المتعلق بالعرض المسرحي، الفئات المشمولة..وللإحاطة بفضاء العرض المسرحي بكامله هناك إجراءات لتدوينه”بالفوتوغرافيا والفيلم السينمائي” أي تدوين العرض تقنيا للإفادة منه في (القراءة).
*هل يمكن للنقد المسرحي أن يؤسس للحركة المسرحية مع أن إجراءاته تبدأ بعد إسدال الستار ، وهو يتوجه إلى النخبة بالذات؟
-الخطاب المسرحي العراقي يمد النقد بلغة اصطناعية ، أوما يسمى بالميتالغة (Metalanguage) لتحليل تلك اللغة وهي شفروية من كلام شفروي (تلفظ محسوس مادي) وفقاً لـ(رولان بارت) تمييزاً له عن النظام اللغوي المدون، وشفرات بدنية وصورة مسرحية Theatricality)) النقد يحلل العلامات المميزة ويستكشف العلاقات بينهما، كما يستكشف ماهية المعنى وكيفية إبداعه في نص العرض المسرحي، وكيفية تشكل الدال المسرحي ، وما هي نماذجه في فضاء المسرح و ..و..الخ وكما ترى العلاقة جدلية تبدأ قبل رفع الستار هذا ان كان هناك ستار من رصد العلاقات بين النظام العلاماتي الخاص بالفضاء النصي ، وبين النظام العلاماتي الخاص بسياق العرض .. والتوتر الناشئ بينهما .. (الجدل بين المهارة الفنية في تشفير نص العرض وسياقاته على المنصة وبين التلقي الواعي، والتلقي النقدي، وحل شفراته) و تأسيس النقد لحركة مسرحية، إشكالية تتطلب الحذر الشديد طرح تساؤل مثل : لمن الأسبقية للدراما الإغريقية العظيمة أم لقوانين النقد الأرسطية؟ اعتقد بوضوح الجواب..لوخففنا الوقع وادعينا بتنوير إمكانيات المسرح المعرفية جمالياً, والوعي بتلك الإمكانيات وفضح وتعرية الإساءات في استخدام تلك الإمكانيات, لربما ستتكون مقاربة من نوع ما بين النقد والمسرح.(النخبة) مستهلكة للعرض المسرحي والنقد،(النخبة)جزيرة خيالية تتسع أو تضيق تبعاً لعوامل موضوعية، كما ترى هناك نقداً ارتجالياً يتبع بعض العروض، أو في مواعيد لاحقة هناك (التعقيب) النقدي ورواده و(النقد) المقروء ومتلقيه عبر وسائل البث الكلاسيكية والحديثة ، وما تنتجه من قراءات متعددة وأفكار تتواصل. ألا تتجدد لحد الآن نظريات مدرسة براغ الشكلانية ..؟ في سيمائية النص والعرض معاً في السيموطيقا الآن رغم ظهور المنهج في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي كذلك المنهج الأقدم : الأرسطي..
*في مداخلة لك على منصة اتحاد ادباء البصرة تحدثت عن الالتفات نحو (مسرح الأمس بغضب) كيف يمكن اعتماد ذلك؟ وما المدى الذي يصله الغضب؟ وما هي الإجراءات وقبل كل شيء لماذا؟
-جملة الأسئلة تتناسل عن بعض … الغضب على مسرح الأمس يمتد -كما ازعم- تاريخياً منذ النشأة ولحد الآن! .النشأة في نهاية القرن التاسع عشر عندنا ومطالع العشرين كانت ساذجة مقلدة حد الجهل الا تميز بين الرواية والمسرح والخطابة ، محملة بالاقتباس من التراث ، تحاكي أسوأ المنهجيات كما الميلودراما كمثال. وإذا كان هذا ارثنا من (أجداد) المسرح العراقي ، الذي ولد كسيحاً! في المدارس والأديرة والأندية والتجمعات الثقافية . فانه تواصل مع (الآباء) بتقليد مفاهيم الفرق المصرية الزائرة عن المسرح والأوائل من دارسي المسرح في الخارج وبصراحة هو واحد فقط حاول إرساء النهج العلمي عبر بضعة تأسيسات بقيت نخبوية تفتقر للاجتهاد والمنهجيات المسرحية الحديثة اشتغلت هنا بجهود الأكاديميين ولكن بعد انحسارها هناك في مرجعياتها! وعدت من الحداثة هنا إلا أنها من (الاحفوريات) هناك ! واستمر استقبال المتأخر الذي يبوأ في مكانه الجديد.. ويقدم وفق محاكاة صاخبة الأصل. الخطوة التالية لجيل الوسط اتسمت بتبيئة تلك المنهجيات التي شقت طريقاً جمالياً في فضائيات النص والإخراج والأداء والتلقي، إلا أنها ظهرت في زمن (خانق) مما جعل غالبيتها مندمجة بأيديولوجية السلطة السالبة إلا ما ندر. فهي اما مسرح أو ماجي كما قدمه البعض ، أو مسرح اتخذ الزلفى والتزلف وفي بعض الحالات تقدم المحاضرة في مقدمات ومؤخرات لا علاقة لها بفضاء العرض، وفي حالات تعشق كي تساير موجهات المؤسسة ، مما خلق رقيباً داخلياً يبحث عن رضا الرقيب الآخر ويبتعد عن مناخ حرية الفن. مسرح الصورة كان ابلغ الغاضبين على مسرح الأمس! ببياناته الخمسة أولاً واطروحاته في عروضه المسرحية بالدرجة الثانية! إلا أنها “موضع” غضب الآن بسبب جدلية التنظير والتطبيق مما وضعها في تطرف شكلاني غامض ، وبحثها عن جمهور نخبوي ودخولها في رطانة فلسفية وعزلتها عن تفعيل الحركة المسرحية وعن تفعيل بياناتها. يصعب اقتراح البدائل ، فنحن نتحدث عن المسرح كصرح حضاري لا يغفل جهود وإبداعات المبدعين قادة الثورات الفنية ولا العوامل النهضوية الموضوعية .. هناك يتطورون لان الوعي مشترك، وعي الفن المسرحي وصناعه، ووعي التلقي وهي معادلة دائمة الخلل في بيئتنا ، ذات الجزر الجارف ! والمد النادر جداً.. نظرة الغضب تطال ماضي مسرحنا برمته حتى اليوم 2006 لانه افتقر إلى المنهجية في البدء، وظل تابعاً للمناهج العالمية وتحمل أوزار مرحلتها التاريخية في المنشأ، وطبقت بدون اجتهاد دزووي، ، وكأمثلة الآن ينشط الميم والبانتوميم والمسرح الراقص والمسرح المهمش للعلامات اللغوية وكذلك الخروج عن المعمارية الهندسية التقليدية للمنصة وكلها من معروضات متحف تاريخ المسرح في العالم! وفي استنباءاته للمستقبل ونحن نشهد تلك الاستنباءات اليوم! نعايش فشلاً ذريعاً لتلك التصورات المبتغاة على شعارية الايديلوجيا ، وخيالات المتخايلين والشعارات الجامدة والأحلام الوردية وتضليل الواقع الدامي بآخر سعيد هناك! والذي بدوره تفكك صريعاً ! ونشهد إخفاق الأهداف والغائيات التي سكتها وسارت بهديها تلكم العروض لافتقارها للثيمات الكونية ولاصطفافها الساذج مع اليومي الشعاري لا الوقائعي.
– الآن أين المسرح العراقي وهل ينسجم ماضيه الفعاّل-المؤثر مع حاضره؟ وكيف يمكن للحركة المسرحية أن تستعيد قدراتها التأثيرية في الوعي الاجتماعي العراقي؟
*رصد مسرح العراق الآن ومستقبله أشبه باستكشاف قارة (تثرم) أناسها، وتبتلعهم أرضها بمعدل يومي متواصل، والمسرحي يقف في طابور الفناء.. ذلك هو فضاء الحياة اليومية والمسرح ضمنا.. والدليل ان” ورشة المسرح” في مؤتمر المثقفين لوزارة الثقافة الذي عقد زمن استيزار الأستاذ مفيد الجزائري، الذي جمع كلمتهم عبر ورقة عمل ومقترحات مكثوا الى اليوم في انتظار جودو..! عله يعينهم على تنفيذها وكذلك مصير مقررات “ندوة الحوار المفتوح لمناقشة واقع الحركة المسرحية” التي عقدت في البصرة. بمجاورة حياتنا اليومية المدماة، واختراقاً لقوقعة اليأس والتشاؤم التي تطوينا بعنف أقول هناك كليات ومعاهد فن تستقطب وتؤهل الطاقات المسرحية الفنية، فيها مسرحيون إعلام..وتوجد فرق في منظمات المجتمع المدني وبضعة فرق رسمية ومنها المتخصصة بمسرح الطفل، وعروض ومهرجانات مسرحية، وندوات و” ورش -مشاغل مسرحية” على قلتها تشكل رصيداً ثابتا لحراك اتٍ..المسرحي العراقي واعي يتحدى الصعاب دائماً..الم يقدم عرضاً على مسرح الرشيد المدمر بالات الحرب والحرائق والنهب التي ادخلها الاحتلال معه، الم يقدم عروضاً في الشارع المفخخ المدمج بالقتلة..أشير الى مهرجانات منها خاصة بمسرح الطفل ومسرح الفتيان والمدارس والمونودراما.. حراك محدود بجمهوره، وتدويري في الثيمات الآنية، والاداء والسينورغافيا والرؤى الإخراجية. الآن هناك نتاجات متطورة حصدت جوائز عربية في النص والتمثيل..في مدينتنا حيث ريادة فن الاوبريت المتطور ، ثمة حراك شبابي غالبا يتحدى الظلاميين.. الذين فرضوا مسرحاً ذكورياً! وحددوا انتاجات واطاريح ومهرجانات كلية الفنون ومعهد الفنون، وفرضوا ( اجندة احزان) سنوية تمنع أي نشاط فيه وانطلاق حتى ولو كان احتفال بيوم المسرح العالمي.. وتحديا لتابو تغييب الممثلات فرض حزب عريق بمناسبة احتفاله بذكرى تأسيسه ظهور مؤديات مثلن في اوبريت قبل شهور، وإيضاحا لظرفية هذا العمل كنموذج لما يجابه الفنان من أخطار، أورد الحقائق التالية: ملحن الاوبريت الدكتور(…) انجز الحانه وهو يمر بحالة نفسية مرة إذ اغتيل شقيقه وهو شاب قبل مدة قصيرة.. مدرب الرقص مصمم اللوحات الفنان(…) اغتيلت شقيقته رمياً بالرصاص في حادث سابق..كل ذلك يسوغ صمت جيل المؤهلين، ومنهم من يواصل أنتاج المسرح رغم الصعاب، واجد نفسي منساقا للاستطراد في أيراد وقائع كابحة ، خاصة وان المسرح يتطلب فريق عمل وحضور تدريبات ومكان.. فنان من أبناء المدينة يحمل شهادة دكتوراه في المسرح أسهم في تحريك الجو المسرحي، تعرض الى حادث اغتيال ومطاردة داخل بيته وسط المدينة، قفز على جدران بيت مجاور وسقط مصاباً بكسور، شد الرحال وعاد الى منفاه في لندن. ممثلة بصرية تعد من الممثلات القديرات في تجارب مسرح الصورة للدكتور صلاح القصب، أستاذة مادة البايوميكانك تحمل” الدكتوراه” تعرضت في سيارتها الى ملاحقة من قبل ملثمين مسلحين، ونجت باعجوبة، غادرت المدينة الى المنفى، وسبق وان قتلت زوجة أخيها رمياً. شاب دكتوراه فن تشكيلي قتل عصراً أمام الناس بمكتبه في الشارع(الوطني) بالعشار واستاذ للموسيقى في كلية الفنون الجميلة طاردته سيارة “البطة” ،المعروفة والمشهورة في المدينة، بمجرد خروجه من باب مجمع كليات باب الزبير، وتخلص من المطاردة بفعل الصدفة ليس إلا،وهناك الكثير جدا مما يمكن أن يروى عما فعله ونفذه في البصرة “الملثمين المسلحين و بطتهم”..هذه أمثله من فضاء العمل الفني والمسرحي الآن..! أعايش مساره عن قرب. المسرحيون في المدينة يعملون بالممكن..! لحمل مشعل فن حضاري لجمهور محدود جداً..ان جزر الإنتاج المتوهجة وجزر التلقي هي ما تبقى من ذخيرتنا لذا أجد صعوبة وتعقيداً عند مقارنتها مع ذلك الماضي التنويري لمسرحنا الذي يواصله بحرية المسرحيون العراقيون في المنافي.. التأثير على الوعي الاجتماعي مهمة اليوم ولكن ليس بمقدور المسرح انجازها لوحده.. ومنفذه فرق المسرح الرسمية التابعة لوزارة الثقافية، ودور المؤسسات الأكاديمية”كليات الفنون الجميلة” في تفعيل الحركة المسرحية داخل الحرم الجامعي وخارجه، وتنشيط ” وحدات النشاط الفني” الجامعية وتعيين الخريجين الاختصاص في الإدارة والتخطيط والتدريب.. والأمر ينطبق على “معاهد الفنون الجميلة” التابعة لوزارة التربية ومسؤوليتها عن”المسرح المدرسي” بإقامة مهرجانات سنوية له، وتشكيل فرق مسرحية بمديريات النشاط ورصد ميزانيات للإنتاج لمراكز أنتاج المسرح..وإعادة نشاطات الفرق المسرحية الأهلية العريقة وأخرى جديدة، وإيجاد مؤسسات برؤوس اموال للاستثمار المسرحي تراعي حقوق الكوادر العاملة. وتشجيع منظمات المجتمع المدني في تشكيل فرق خاصة بها بكوادر أكاديمية ومن هواة المسرح تعمل في كل بيئات العراق مراكز المدن والأرياف، مع بناء مسارح بمعمارية متطورة خاصة للعروض المسرحية والأوبرا. أشير الى أهمية الثقافية الحرفية والجمالية والثقافية العامة، والمران والتدريب المتواصل للمثل، بهدف الارتقاء بالمهارات الأدائية/ التمثيلية، وهو منهج يواكب التوجهات الحديثة التجريبية لتنمية وإبراز إبداعات الممثل- الممثلة، ولتوفير المرونة البدنية والصوتية.. كذلك التهيؤ المسبق الكافي بإعطاء حيز مناسب للبروفات التي تسبق العرض، مع ضرورة العناية المركزة بجماليات العروض من خلال توظيف كل التقنيات المسرحية التي تشكل نسيج الفضاء المسرحي..وابتكار أساليب جديدة وطرق ثيمات متجددة في كتابة النص المسرحي، وطرائق الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا تواكب غرائب حياتنا وتساير الحداثة المسرحية في العالم.