حكايات من بلدي
-1-
في الاصباحات الغائمة يعشق صديقي العتيق زيارتي كلما شغلته مسالة فكرية او فصول رواية او كتاب انتهى منه ..
وعبر تكويرات الدخان ورائحة القهوة يستمر الحوار حتى يصاعد مؤذن “جامع السيد حامد” تكبيراته.. اما اليوم فكان صديقي قد قضى الوقت وهو يحرق الدخان وابى الا ان يشرب قهوة مره…! ومالبث ان قال اتعرف بان” الطراروة” يطرقون باب الاعلام ويرفعون اشرعته ؟
– وما الغريب في ذلك ؟
-الغريب.. ان احد هؤلاء الافاضل وصلني اليوم وبين “في الحقيقة والواقع “غرفت بانه “مدبرا او مسؤلا لاحدى الفضائيات في عراقنا الزاهر “
وانه يحمل لي مكافاة جزيلة لمساهمتي في رفد الفضائية بما املكه من المعرفة فقلت مستغربا.. نحن العراقين لم نتعود على المكافات ..
فقال حضرته ..كلنا يعرف ذلك ولكنهم بعثوني اليك وقبل ان افتح “لفة الجريدة “التي اخفى فيها “الدولارات ” العزيزة
قال ..بخجل مصطنع .. ويعرف جنابك باننا نجاهد ونتعب بلا مكافات فهي -مهمتنا الاعلامية وقبل ان ابارك له هذه التضحية والامانة عاد يقول وبالحقيقة والواقع فان المبلغ المخصص لك هو 14 ورقة وتعرف جهودنا ولذا سنقدم لك 8 اوراق اما ال 6 اوراق الباقية فهي اتعاب الكادر العامل !!
ثم اخرج الاعلامي “وصل حسابي ” بمبلغ 14 ورقة مؤكدا بان علّي التوقيع عليه .!؟
فقلت بالعربي الفصيج يعني.. ان سيادتكم تطلبون مني التوقيع على 14 ورقة بينما استلم انا 8 أوراق .. يعني تريدوني حرامي مثلكم ..
وقال صاحبي ولم اتمالك نفسي فامسكته من “زيكه ” وجررته كالخروف الى خارج مكتبي وانا اسب والعن وعوضا عن الاعتذار قال لي بصفاقة “الطراروه ” ..شوف.. تره اني ابن عشاير ؟
فتذكرت المثل الشعبي “اذا هاي مثل ذيج خوش مركه وخوش ديج “
لماذا تصلب عذوق النخل ؟
– 2 –
يذكر الاب الدكتور “جون فانيس ” في كتابه “أقدم أصدقائي العرب “
في عرض شاعري ممتع مشهد ملايين النخيل في الليل وقد اضاءتها النجوم فلانت اطوالها وكأنها عرائس تذخل كاتدرائية مقدسة تعزف لها النوارس الحان الخلود ..
هذا المشهد الخالد في قلوب عشاق البصرة..اضاعته السنين المثقلة بالشظايا والدماء فبات رمة كئيبة تصفر بها الرياح وتعوي بين اخاديدها “بنات اوى” في ترنيمة لاتشابه ما نريد رسمه
“فليسقط الشعراء ولتسقط قصيدتك الجديدة
ماذا ستكتب غير لغوك
أنجما وندى ونخلا
وحكايتين عن الضياع
وتشم العصر المملا
وتخط رمزا في السياسة ليس يفهمه سواي ..”
سعدي يوسف
اطوال من التيه تبعث السراب في عينيك فأنت أمام هياكل قطعها الحقد ..عرائس محترقات الثياب ليلة العرس ..اصابعها صارت مخالب و عناكب مسمومة تاكلها الحرائق ..
تذكرت اليوم .. تلك الغابات الباسقة وقد نخرها الزمن والاسوا مما بقى ازالت ذكراها القوافل الجائعة وحتى التي ظلت في بعض البيوت ظلت عذوقها مصلوبة تئن بلا رجاء فلم تجرءا الايادي التي كانت تتبارك في “الكصاص “ان تنزل تلك العذوق فتكومت ثمارها على الارض لياكلها النمل والذباب اذ لم يعد في البصرة العظيمة ” صاعود ” ولم يبق “فروند” ..
البصرة اليوم تشتري كيلو التمر الايراني والخليجي بخمسة الاف دينار .!!
وتترك ما بقى للمطر والذكرى .
عجائب العراق في عهده الزاهر
– 3-
أعتادت الجامعات الاوربية على منح اساتذتها طلب الاحالةعلى التقاعد ” اختياريا ” باستثناء “الاطباء “لاسباب عملية غندما يصابون”برعشة اليدين ” وفي حالات خاصة, الا في بلادنا التي دأبت على ألاحالة الى المعاش بالكومة عندما يبلغ الى عمر 63 سنة ..ويبدو ان الامر كان قد أثار عند احد ” “أصحاب المعالي “الذي صعد بالزانة الى مكانه الجديد فقرر أنزال اساتذة الجامعة ” ثلاثة بايات ” فقرر ان ان تكونالخدمة 60 سنة واحالة من اراد الخلاض من مكانتهم العلمية لعدم الحاجة الى خدماتهم الى التقاعد وايقاف الهدر بالمال العام ا لعدم الحاجة الى خدماتهم ثم استعد معاليه بعد عملية”الكصاص “الى الاعلان في الصحف على ان الجامعات تعاني من نقص في الكوادر التدريسية الامر الذي يتطلب استيراد اساتذة لسد الشواغر ولم تمض بضعة ايام حتى تهيأ معاليه للسفر الى احدى الجارات العزيزات بصحبة لفيف من حواريه فاتم الصفقة الجديدة وتعاقد معهم بالدولار ؟ مستندا الى المثل الشعبي “ايبيع تمر ويشتري خرما “
وبهذا العمل الجليل نجح معاليه في “حش “علماء في الطب واللغة والفن والعلوم والهندسةو التاريخ وبذلك اصاب عصفورين بحجر واحد “الاصالة والمعرفة “ومن تلك الاسماء ..
العلامة الدكتور عبد الحسين مسلم والعلامة الدكتور مصطفى عبداللطيف والعلامةالدكتور ماجد سيد ولي والدكتور هاشم الخياط والدكتور فاروق العمر والدكتور صالح محمد صالح ..
اما الفنانه الدكتورة ثورة يوسف فقد ابعدت لكونها فائضة عن الحاجة ولم تصل الى السن القانونية التي نفذها لاعب”الزانة”
“شوباش شوباش نزرع حنطه يطلع ماش “
رهاب الحقد و الانتقام
-4 –
في العشرينيات من القرن الماضي وبعد قيام الثورة البولشفية دعت المنظمات الوطنية الفلاحين لاستضافتهم في قصور الشتاء من اجل اقامة اول مؤتمر جماهيري ..
يجدثنا الروائي “مكسيم جوركي ” مؤلف ألام ووراء الرغيف ..عما تركه الفلاحون من اثار على قصر كاترين العظمى حيت دأبوا على التبول في “فازات سيفر “الرائعة رغم وجود الحمامات والمرافق ..
الا ان الشيوعية تجاوزت ذلك الانهيار من خلال نظرية “بابلوف” الفعل وردة
الفعل.. على الانسان فاوجدت بمعية القوة والقانون مدارس للاصلاح والتقويم بهرت العالم ..
كان هذا المشهد قد اعادني الى صبيحة 14 تموز 1958 عندما عبّرت الجماهير عن فرحتها بالانقلاب وزوال الاسرة الملكية فلم تجد غير تحطيم تماثيل الملك فيصل الاول والجنرال مود .وتكويم”الصفر “المتخلف عن التماثيل وتغطيته بالشعارات السياسية ومنع طلاب التذكارات الاقتراب منه !!.
وفي ذات الوقت هاجمت الجماهير السفارة البريطانية ووسط الرصاص المتطاير من هنا وهناك رايت “اروع ” مشهد عندا هبت مئات الزوارق النهرية الى الجانب المطل على نهر دجلة وهي “تفرهد ” الاثاث والممتلكات .. الانكليزية !؟
لحظتها كنت امام مشهدين ..مشهد الحرامي والوطني ..
الاول منها كان يقول ..دعو الجماهير الكادحة تعبر بطريقتها البدائية عن حبها للثورة وحقدها على من استعبدوها سنوات طويلة !
اما المشهد الثاني ا فقد ارجعني سنوات الى الوراء وهو الجانب السايكولوجي والاجتماعي الهادف لمسح التاريخ و تخريبه و هي السمة التي اصبحت لصيقة بالعراقي وتصاعدت بلا خجل ..
فاذا كان نضف قرن من السنين قد مزق وجودنا فان” قرون” اخرى لن تنتظرنا لاننا نحن من استمر ويستمر الان في الهدم بعد ان شعرنا بالحرية الزائفة التي نتخيلها قدحررتنا من الادران والحقد ..
“أذا استشفيت من داء بداء فاقتل ما اعلك ما شفاك “
لقد اتممنا لكابوس الاحتلال ما ظل يحلم به فحققنا معجزةكره الوطن وتفتيته
بالقضاء على ما بقى من تاريخ لان نظريتنا ابت ات تتخلى عن مرضها كأن رموزها هي العلة لا نحن .
والا ما يعني للعراقي تفكيك المسفن البحري في البصرة وتحوبله الى “كاع”
او تهديم بنايات الاجهزة الامنية التي صرفت عليها ملايين الدولارات اوحرق مبنى جامعة البصرة”القنصلية البريطانية “بعد الاحتلال الاول للبصرة اوحرق فندق شيراتون وحرق المكتبة الشرعية اونهب المكتبة المركزية او تخريب محافظة البصرة او تهديم تماثيل الشهداء او تدمير سوق الهنود او او .. اشياء مرعبة بالذاكرة .. اضفنا لها باسم التغير.. تحويل بهو الادارة المحلية الى “مولات ” وقطع سكنية للمدللين او تحويل القاعدة البحرية الى “حيانية اخرى “او نبش حديقة كورنيش البصرة وتحولها الى فنادق او مولات واخيرا وليس اخرا تحول ارض ابو الخصيب الى الربع الخالي ….
رحم الله فناننا الكبير والعزاء لمحبيه وحمهوره واسرته فسيظل اسمه عالقا في ذاكرة ابناء شعبه طويﻻ ﻻنه كانت كل معاناته من اجلهم.
غداً…غداً…سیزهر اللیمون
وتفرح السنابل الخضراء و الغصون
وتضحک العیون
وترجع الحمائم المهاجرة
……….
ویرجع الاطفال یلعبون
ویلتقی الآباء و البنون