عندما نتكلم عن الفن وفن المرأة ، سؤال مهم يفرض نفسه علينا هل نستطيع أن نميز بين فن المرأة كنشاط إنساني مستقل وخاص بالمرأة ولهن إبداعاتهن المتميزة أم أن الفن بشكل عام نشاط إبداعي وراقي للإنسان سواء كانت للمرأة أو الرجل يمارسه الإنسان و يترك بصماته عليه ويصب كل نشاطات الإبداعية خلال جريانه في مصب نهر واحد ألا وهو مصب نهر الفن الواسع وتكون الحركة الفنية في زمان ومكان معينين ، ومن يدرى بان الفن البدائي والتى مارسوها في الكهوف كانت لرجل أم للمرأة.
من هذا المنطلق فان الفن إبداع إنساني ويسجل بصمات الإنسان في زمن وكان معينين سواء كانت للمرأة أو للرجل، ومن غير ممكن أن تميز المواضيع المطروحة غير الجانب الإنساني لكل قضية نطرحها … وكم من النساء طرحوا مواضيع عن الرجال أو العلاقة بين الجنسين وكم من فنانين رجال طرحوا مواضيع عن المرأة وقضاياها إذا مهما مارسنا من مواضيع و طرق فنية فكلها تصب في مجرى الفن بشكل عام .
ومن هنا أريد أن اكتب عن الفنانة الصاعدة ” شادان على ” فبالرغم من عمرها الفني والتي لا تتجاوز سنوات قليلة إلا إنها تمارس الفن بكل جدية وتمارس تجربتها الفنية بشكل مستمر و عمل دءوب وتطرح مواضيعها بشكل تقني جيد وتكنيك متميز عن الأشجار والعلاقة بينهم وكأنهم أناس في حياتهم اليومية .
” شادان ” في تجربة وحركة مستمرة للبحث عن الطرق و ستايل الخاصة بها والتعبير من خلالها وذلك برسم الأشجار بألوانها الهرمونية و تكنيكها العالي باستعمال الفرشات والسكين الخاص بالرسم و التى تترك كتل لونية رائعة في لوحاتها ، فهي منسجمة مع الطبيعة و تشبهها بالإنسان في حياته ،إذا فإننا نرى مزج وتشابه بين الإنسان والطبيعة في لوحاتها , كما تقول هي ” أن الطبيعة أساس وينبوع نأخذ منها الألوان والمواضيع ونشبهها بالمجتمع الإنساني , وكما أن الطبيعة ينبوع الحياة فكذلك أن المرأة أساس وينبوع الحياة ومنها تستمد الإنسانية ديمومتها ”
إذا تأملنا لوحاتها نجد أنها أنجزت بتكنيك و تقنية بسيطة ومن خلال عملها نتلمس الصدق و الحرارة في عواطفها فهي ترسم إشكالها في سماء وجو ضبابي و كأننا متحررين من العنف والإرهاب في عالم نحن لا نرى فيها غير الجمال ومن أين جاء كل هذا العنف .
الأشجار في لوحاتها تعانق البعض أو تمارس الحب أو هي حبلى بحياة جديدة أو مقطوعة و تنزف دموعا ،هي من خلال رسمها للأشجار في لوحاتها و ورمزيتها تريد أن تقول لنا , أننا نستطيع أن نغير حياة الإنسان من خلال الحب و بالحب وحده بين أفراد المجتمع والتفاهم و الحوار نستطيع أن نخلق حياة جديدة تحفظ للإنسان كرامته .
والأشجار في لوحاتها هي المرأة المضطهدة وترقص رغم الألم كما طيور عندما تذبح ولكنها كشجرة البلوط تعانق جذورها صخور صلبة و تستمد منها الحياة ولكن كما في مجتمعنا تمارس العنف و تلغي الآخرين نجد أن بعض الأشجار مقطوعة وتنزف دما وقد قطعتها أياد آثمة .
هى تقول ” رغم أن الأشجار مقطوعة ولكني رسمت البراعم وسوف تنمو من جديد وتتحدى عواصف الزمن ” أن البراعم الصغيرة تعلمنا أن بتشبث أكثر بالأرض كما تتشبث المرأة بالحياة وتقاوم العنف والعواصف .
لوحات تدفعنا إلى التفكير فالأشجار حبلى بمولود جديد في زمن تقتل فيها الأشجار … فهي تضع جنينها بين الجذور أو تعانقها لتستقبل عالم بعيد عن العنف ..وكأنها تريد أن تقول لنا أن المرأة خالقة الحياة وهي التي تنجب الإنسان .. ومن يحترم الإنسانية يجب عليه أن تعلو من شئنها .
أن رقصة الأشجار و تعانقهم تعبر عن رقصة الألم و تعانق الأحبة ونشوة الحياة وجمالها وتقول هي عن لوحاتها ” أنها رقصة الألم ومن خلال الألم نتعانق ونتحد لننبذ العنف ونخلق إنسان جديد ” إذا أن عودة ” شادان ” إلى الطبيعة و برؤيا مختلفة والتعبير عن مأساة عصرنا من خلال رموز الأشجار للحياة الاجتماعية وللمرأة فيها حيزا كبيرا وكما تقول” شادان ” وهى تتحدث عن لوحاتها ” أحب عالم الألوان واعبر بها عن العلاقات الاجتماعية والحب بين أفرادها لتكوين مجتمع سليم وسعيد فحتى الإبداعات و تذوق الجمال لا يخلو من الذوق السليم ومجتمع بعيد عن العنف وكما قيل لقيصر أن يحذر من “”بروتس”” لأنه لا يحب الموسيقى و””بروتس”” هو الذي طعن القيصر من الظهر كما يقول شكسبير في ” يوليوس القيصر ” وهي تعبر عن ذلك بألوانها الرمادية والصفراء كلون الأرض و بشكل هارمونى من الألوان الفاتحة إلى اللون الغامق لتكوين كتلتها منسجمة مع ألوان السماء الضبابية .
كل شجرة في الغابة في عناق أبدى أو رقصة جميلة أو تحتضن جنينها لتقاوم الهلاك و العنف أو هي مقطوعة و تنزف كالبشر و تنمو براعمها الخضراء من جديد لتحتضن الأرض بقوة اكبر من فساوتهم لخنق الحياة ،قد نجد بعض
الإشكال الإنسانية في لوحاتها كامرأة نائمة و عناق عاشقين ولكننا نرى جذور الأشجار مغروسة في كتل الأجساد و تنمو فوقهم غابات من الحب في عناق سرمدي وهي تقول ” الطبيعة والأشجار علمتني أن أعانق الأرض واغرس جسدي فيها وهى تعبر عن الاستمرارية وديمومة الحياة ،والحياة تبدأ من المرأة لأنها أصل الوجود ” .
ربما أن ثقافتها المكتبية وعملها كمسئولة قسم الكتب الكردية و قراءتها لكتب ” نوال السعداوي ” و سيمون دي بفوار ” عمقت تلك الثقافة و جعلتها تنظر إلى المرأة كأساس وديمومة الحياة وهى نظرة نسويه – فيومونيزمية – وجميلة لتطلعها إلى الحياة .
وقد انجذبت جمهور إلى إعمالها الفنية في المعارض التي إقامتها في “”السليمانية”” و كذلك في بعض الدول الأجنبية حيث أقامت أكثر من14 معرض مشترك في السليمانية وكذلك معارض مشتركة خارج العراق وهى تهيئ لوحاتها لمعرض شخصي في الربيع المقبل ،علما أنها من مواليد 1979 و خريجة المعهد التكنيكي في السليمانية و مستمرة في تجربتها الفنية وانجازها للوحات رائعة و متميزة