يقول ابن خلدون في مقدمته الرائعة (اذا تحول السياسيون الى تجار فأقرأ على ذلك البلد- السلام )فمن هذا المنطلق كانت الامة العراقية ولم تزل تعيش في واقع فجائعي قاس. موجع .واليم . خلفته حروب دموية رهيبة للانسان وللارض حتى للماء والطير و الشجر ، محارق متعاقبة بلا هدنة او استراحة ولو لايام من عهود سوداء ظالمة مرت على العراق الجريح ولم يزل، ومع ذلك الفساد السياسي و الاقتصادي الخانق الذي فرضه الاعداء الحاقدون ودول الجوارجراء تلك الحروب المدمرة وما رافقه من القتل على الهوية ومن اقتتال وتناحر داخلي اشد قسوة وايلاما فرضه تجارالسياسة الكبار الجشعون الفاسدون وكبار الملاكين ومن بيدهم مقاليد السيطرة والتحكم بأقتصاديات البلد المنكوب حتى اصبح (الجوع والحرمان والحاجة الماسة ) وصفا غير مخجل دفع بالكثير من المواطنين العراقيين لبيع معظم مقتنيات بيوتهم وباتوا حائرين بأئسين بدخولاتهم الشحيحة في ايجاد اي حل يقيهم خزي المسغبة ومد اليد استدانة وصلت عند بعضهم الى حد التسول وضاعت الفروق وامتلات الساحات و الازقة (ببسطات ) يبيع فيها العاطلون عن العمل و المتقاعدون السيكاير و الشخاط و السكاكر و الموالح ، !
000
اما بالنسبة للادباء و الكتاب و المثقفون فبعد ان خلت بيوتهم البائسة من السيارة و الثلاجة و التلفزيون واجهزة الراديو حتى المكواة وادوات المطبخ الكهربائية نعم ادباء العراق العظام الذين قضوا عمرهم واضعفوا ابصارهم صرت تجد كتبهم – حتى تلك العزيزة الغالية على قلوبهم والمهداة اليهم – تباع على الارصفة حالها كحالة الاحذية العتيقة برخص التراب …. كل ذلك لان الاديب مهما كان قوي الروح و الارادة فأنه يضعف لامحال امام (جوع وحرمان و مرض ) عائلته واطفاله مع برد الشتاء وارتفاع اسعار الوقود وفقدانها … فالتجار الجشعون المحتكرون بضمائرهم الميتة وحتى باعة المفرد ومعهم المزارعون و الملاكون الكبار و الصغار وحتى بائعي الخضراوات على العربات الثابتة او المتجولة اصبحوا كلهم – ومع الحروب المشتعلة و المتجددة دوما – يدا شيطانية واحدة ضد ابناء الشعوب العراقية المنكوبة فالضمائر الميتة الفاسدة كشفت – وما تزال – عن بواطنها الخبيثة بعد ان اقسم كل التجار (ولا اقول معظهم ) وكل المزارعين (ولا اقول اغلبهم ) الا ان يجعلوا اي عامل فقير او متقاعد بائس يستفيد من اي تحسن في وضعه المعيشي ؟!
فالذي اراه كلما قرأت عن (زيادة الميزانية الانفجارية للدولة العراقية ) والتي لن يستمتع بها مستحقوها بل ستذهب سراعا الى اصحاب القاصات الضخمة من السياسيين والمسؤلين و التجار تلك القاصات المخنوقة بملايين الدولارات و الدنانيرولجيوبهم المنفوخة حيث تتضخم هذه (الحالات ) خاصة في الاعياد و المناسبات الدينية و الوطنية ،
وقد قرأنا بل روى لنا من سافر للخارج انهم في تلك البلاد الاوربية يخفضون كافة اسعارالحاجيات التي يتعاملون بها الى النصف بل اقل عند حلول مناسباتهم الدينية واعيادهم الوطنية اما هدايا الاطفال وملابسهم فتصبح شبه مجانية لرخص اسعارها…….
تلك الافرازات البشعة التي خلفتها تلك الحروب الطاحنة المهلكة المحرقة للبشر والارض و الزرع والشجر ولم يسلم حتى النخل الشامخ من قطعه جراء تجريفها وتدخلات دول الجوار الغادرة حيث ضاع كل شئ وانتشرت البطالة الى درجات خطيرة جدا خصوصا بين صفوف الشباب وفقدت العوائل معيلها وازدادت الارامل وكثر اطفال الشوارع ومن لا معيل لهم وظهرت الى الوجود فتيات مجهولات النسب يعملن في الدعارة ،ناهيك عن المهاجرين و المهجرين خارج وداخل البلد وهم في ازدياد مذهل يعدون بالملايين تنذر بكوارث هائلة وبعواقب وخيمة ، حيث غدا الناس شبه مجانين بعد ان فقدوا انسانيتهم مما ادى الى انتشار الارهاب و الاغتصاب والسلب و النهب و الفساد و التهريب و التخريب في مفاصل الحياة اليومية لشعبنا العراقي المظلوم وتساوى عندهم المشروع وغير المشروع بل صار غير المشروع هو الاحلى و الالذ وشيئا فشيئا صاروا يحتقرون كلمات الصدق و الامانة و الضمير و الغيرة و الشهامة ليستبدلونها جميعا بما يخمد الم الجوع وفجيعة فراق الاهل والاحبة ونزيف الجروح التي ما ان تندمل حتى تتجدد بحروب و كوارث وزلازل جديدة ليست من صنع الطبيعة بل من صنع البشر الذي كرمه الله حيث خلقه خليفة على الارض امينا عليها…… وما فلم عصابات الدواعش المجرمة ببعيدة عنا بل نحن الان في محرقتها!
0000
اذن فالصحافة الوطنية الموضوعية المقروءة و المسموعة و المرئية والتي تعتبر خير شاهد على عصرنا الراهن عليها ان تدين و ان تحلل هذه الظواهر اللاأنسانية وبكل جرأة وصدق ودون مبالغات ،وفبركات تلك الحالات الطائشة من الفساد المستشري كالاخطبوط و التي احالت المواطن العراقي البسيط – ماديا ونفسيا – الى (شبح ) متحرك بعجز وخمول و مساق رغما عنه لمعالم مجهولة لايعرف اين ستنتهي به ؟!!
—