كذبة نيسان
المدن آمنة، آمنة جداً، وميليشيا الأحزاب راحت توزع الورود على البيوتات المتعبة، والشباب غابوا عن مصاطب البطالة وتوزعوا في كل المصانع والمعامل والدوائر، لم يدفع احد منهم فلساً واحداً الى موظف التشغيل او الى معقب متواطئ مع مدير الدائرة الفلانية.. مجالس المحافظات وزعت قوائم على كل الناس ان يثبتوا احتياجاتهم وستنفذ كلها خلال 24 ساعة.. الكهرباء مستقرة، ولا حاجة للبنزين لتشغيل المولدات.. الماء عذب، وشط العرب عاد من جديد بنوارسه وابلامه العشارية، الوعود التي اطلقها نوابنا الكرام نفذت جميعها وصار هم المواطن في أولويات عمل البرلمان العراقي..وزارة حقوق الانسان اغلقت ابوابها بعد ان انتفت الحاجة لوجودها في بلد حصل فيه المواطنون على كامل حقوقهم من نساء ورجال واطفال.. المتقاعدون من الشيوخ والعجائز راحوا يثنون على موظف التقاعد وهو يطرق ابوابهم بابتسامته العريضة ليسلم لهم الراتب التقاعدي مع قبلة حنونة.. (العلاسة) غابوا ولم يعد احد يتقبل ان يحفر حفرة لأخيه ويدفعه فيها .. وزارة المهجرين اغلقت ابوابها هي الأخرى بعد ان عاد كل العراقيين من منافيهم واعيدوا الى وظائفهم.. كل ذوي ضحايا الحروب السابقة والتي تلتها بعد نيسان 2003 حصلوا على كامل حقوق ابنائهم وراحوا يتضرعون للباري عز وجل ان يحفظ المسؤول الفلاني لأنه لم يبت ليلته الا بعد ان اطمأن عليهم وتأكد من قدورهم المملوءة بالخير.. شوارعنا نظيفة، لا يوجد متسول هنا ومتسولة هناك.. فالرعاية الاجتماعية شملت كل الذين لا معيل لهم.. المحافظون يزورون الأحياء الفقيرة دون ضجة ودون اعلام ودون حمايات..اشتاق العراقيون لطوابير الحصول على النفط وتبرعوا بمواد البطاقة التموينية على دول الجوار، ودول الجوار مدت يدها أيضاً لبناء المدن العراقية وزرع شوارعنا بالورود بدلاً من المتفجرات..الارهابيون الذين كفروا هذه الفئة او تلك وحصدوا أرواح العراقيين اعتذروا من ضحاياهم وتابوا وتبرعوا بالعمل للعراق مجاناً ما بقي من اعمارهم من سنين.. وسائل الاعلام العراقية صارت أكثر شفافية وهي تقترب من المواطن اكثر من اقترابها للمسؤول.. المسؤولون في دوائر الدولة تركوا كراسيهم وغرفهم الفارهة ونزلوا الى سوح العمل قبل عمالهم ليكونوا قدوة حسنة.. مدارسنا اكتست بغطاء أخضر وابناؤنا بدأوا يتوافدون على صفوف مؤثثة ولم يجلسوا على الأرض ابداً..الأخلاق الكريمة عادت لمن نساها في زمن الفرهود، وراح الجار يخاف على جاره وأعراض الناس أضحت مصانة في وطن الشرف الرفيع.. الوزير خادم، والمدير العام خادم، وكل موظف في الدولة هو خادم لأبناء الشعب ولا يوجد أمير هنا او ملك هناك..صالات الفرح فتحت أبوابها ومحال سرادق المآتم توقفت عن العمل وغابت عن جدراننا اليافطات السوداء التي تنعى شهيد او مغدور به كما غابت الشعارات الرنانة والتي تشير الى الديمقراطية والحرية فلا حاجة لنا بها مادامت الديمقراطية تأكل وتشرب معنا والحرية تكسو حياتنا المرفهة..العراقيون يفكرون بتناول فطورهم الصباحي في باريس وغدائهم في طوكيو وعشائهم في بيروت.. قاعات السجون غيرت الى صالات رقص، وأجهزة التعذيب صارت أراجيح للصغار..لم تعد تسمع صرخة لأم ثكلى، ولا ترى دمعة ليتيم ولا دم لضحية.. كل شيء هنا تغير وصار أحلى وأبهى، فلا دائن ولا مديون، لا مؤجر ولا مستأجر..لا جلاد ولا ضحية.. الجميع سواسية كأسنان المشط..