لقد أبيض شعري ’لا بفعل السنين ’
لم يحدث ذلك
في ليلة واحدة ’ مثلما يحدث لبعض الناس من خوف مباغت :
إطرافي تقوست ’ لا من جهد أقوم به ’
لكنه صدئت من الاسترخاء المقيت ’
إذ تعاني من فساد الزنزانة ’ ومصيري مثل مصير أولئك
المحرومون من الأرض الواسعة والسماء الفسيحة
والزاد مقطوع عنهم ’
هذا عهد وفاء لأبي
أن أكابد القيود’ وأغازل الموت’
أبي الذي احرق حيا
لعقيدة لم يتخل عنها ’
وللسبب نفسه ألقي خلفه في قبو مظلم ’
سبعة كنا ’ فصرنا واحدا’
ستة دون البلوغ’ وواحد في الرشد’
ومثلما ابتدأوا انتهوا’
أباة واجهوا غيظ الاضطهاد ’ واحدا أحرق حيا’ وفي المعركة صرع اثنان
بالدم ختم معتقدهم ’
وماتوا مثلما مات أبوهم ’
والله تبرأ من خصومهم ’
وثلاثة القوا في الزنزانة ’
ولم يبق منهم إلا الحطام .
-2 –
شدوا كل واحد منا إلى عمود حجري ’
كنا ثلاثة – كل واحد لوحده ’
لا نتحرك خطوة واحدة ’
لا يسطيع أي منا أن يرى وجه الآخر ’
إلا بذلك البصيص الأزرق الشاحب
الصيرنا غرباء في نظر بعضنا بعض ’
ومع إننا في مكان واحد ’ فقد كنا منفصلين ’
مقيدو الأيدي ’ ولكننا بالقلب متواصلون ’
بعض العزاء لنا أن نسمع كلام بعضنا البعض’
إن يلتفت احدنا للآخر مسليا
بأمل جديد ’ أو بخرافة قديمة ’
أو بأغنية بطولية مشجعة’
ابتدرت هذه الأشياء طول الوقت
فاكتسبت أصواتنا نبرة غريبة ’
-3 –
كنت اكبر الثلاثة سنا ’
وعليّ أن أشد عضد الآخرين ’ أن أشجعهم
عليّ أن أفعل ذلك – وفعلت وسع ما استطيع –
وكل واحد فعل وسع ما يستطيع . الأصغر الذي يحبه أبي ’
لأنه وهب ملامح وجه الأم
بعينين أصفى ما تكون السماء
يثير شفقتي على نحو موجع ’
ومن الحزن رؤية هذا العصفور في مثل هذا العش ’
إذ كان جميلا كالنهار
( يوم كان جمال النهار عندي يعدل
جماله عند أفراخ العقاب ’ وهي طليقة ) نهار قطبي ’ لا يشهد غروب
شمس حتى انقضاء الصيف ’
صيف غير نائم بضوء مستمر ’ ودموع لا تغني شيئا لدفع أذى الآخرين ’
تفيض مثل جدول يتدحرج من جبل ’ ما لم يستطع أن يخفف من الحزن
الذي يمقت أن يستعرضه من دونه .
-4–
كان الآخر انقى ما يكون الفكر
غير أن مخلوق لمنازلة الأقران ’
قوي في هيكله وطبعه
ويبارز العالم ويصمد .
لقد كان صياد تلال ’
يطارد فيها الأيل والذئب ’
وهذه الزنزانة مجرد هوة له ’
وأقسى محنته تقييد القدمين .
– 5 –
سبق أن قلت أن أخي الأقرب لي قد هزل ’
وقلت أن قلبه قد وهن
لقد أبعد عنه الطعام مشمئزا ’
ليس لأن الطعام كان خشنا وفجا ’
فقد تعودنا أن نأكل طعام الصيد ’
من دون أي اهتمام :
الحليب من العنز الجبلية ’
استبدل بماء الخندق المحيط بالحصن ’
خبزنا كأنه معجون بدموع الأسرى
طوال بضعة آلاف من السنين . لقد مات وانحلت قيوده ’ وبحشوا له قبرا ضحلا
في ارض القبو الباردة ’
وقد رجوتهم أن يواروا جثته
في ارض يمكن أن تشرق
عليها الشمس – فكانت فكرة حمقاء ’
إن قلبه الذي ولد حرا لا يمكن ’
حتى في الموت ’ أن يستريح في مثل هذه الزنزانة .
كان من الممكن أن أوفر على نفسي ذلك التضرع اللامجدي
فقد ضحكوا ببرود ’ ووسدوه هناك ’
من دون أن يرفعوا فوق الأرض المستوية التي أحببنا
فوقها بعضنا بعضا ’ ما يدل على قبره ’
وقيوده التي فرغت التوت فوق الأرض ’
مثلما يخلفه القتيل إلى جانبه !
-6 –
لعلها كانت شهورا ’ أو سنوات ’ أو أياما ’
لم أحصها ’ ولم ألق بالا إليها ’
لا أمل يوقظ عينيّ ’
ويمسح عنهما الغبار المخيف
أخيرا جاء البشير ليطلقوني ’
لم أسأل لماذا ’ ولم أحرز إلى أين ’
لقد أستوى عندي ’
أن أظل مقيدا ’ أو أن يطلق سراحي ’
فقد تعلمت أن أحب اليأس ’
وهكذا كنت عندما حضروا آخر الأمر ’
وألقيت جانبا كل قيودي ’
وتلك الجدران الثقيلة التي كانت لي
ملاذا – كانت كل ما املك !
وبعض ما أحسست به لما دخلوا
إنهم أتوا لينتزعوني من بيتي الثاني :
حيث كانت لي صداقة مع العناكب ’
إذ كنت أتأمل طريقها الرتيب .
وكنت أرى الفئران تلعب في ضوء القمر ’
فكيف يكون شعوري اقلّ من شعورها
ونحن معا نزلاء مكان واحد ’
وكان لي ’ وأنا الملك على كل جنس ’
المقدرة على القتل – أجل ’ ما اغرب أن أقول هذا !
لقد تعلمنا أن نقيم معا متواعدين ’
ونميّت مع قيودي الحميمة ’
كثيرا من العلاقات المشتركة الطويلة
اذ من شأن شركة طويلة كهذه أن تجعل مناما نحن عليه : –
حتى اني استعدت حريتي متنهدا .