في ذكرى رحيل حارس الفنار
في اليوم الاخير من هذا الشهر ستمر علينا ذكرى وفاة الشاعر الكبير محمود البريكان، الشاعر الذي أصبحت عزلته شغل النقاد والباحثين مثلما هو شعره وفلسفته الحياتية.. ومن المعروف أن البريكان عاش عزلة هادئة بعيداً عن أضواء الإعلام وضجيجه وهو عكس مجايليه السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي لم ينشر طيلة حياته سوى خمس وثمانين قصيدة فضلاً عن الملفين الذين نشرا في مجلة الأقلام العراقية والملف الخاص لجريدة المنارة بعد وفاته (محمود البريكان: الشاهد الأبدي) وملف في مجلتنا (بصرياثا) وربما هناك ملفات أخرى في صحف عربية لم يتسن لنا الإطلاع عليها.. قبل رحيله كان بيته مزاراً لكل أدباء المدينة حتى لأولئك الذين لم يرتح لهم الشاعر وهم كثر..فالجميع كان يروم التقرب منه والتحدث معه والتعرف على منجزه الإبداعي عن قرب لكنه عندما غدر به تفرق الجمع عنه وألجمت الألسن ولم يقل احد ان ما حصل للبريكان هو قتل للمثقف العراقي.. واليوم يحق لنا ان نقول: ألم يحن الوقت بعد لإنصاف الشاعر الخالد محمود البريكان بالطريقة التي يستحقها؟ ألم تفكر وزارة الثقافة بطبع نتاجه وتراثه الغزير شعراً وموسيقى؟ ألم يفكر القائمون على الثقافة بترجمة شعره الى لغات العالم لتطلع على تجربته الخالدة الشعوب؟ أسئلة كثيرة محيرة استوقفتني وأنا أقف جنب قبر الشاعر في مقبرة الحسن البصري في أطراف صحراء الزبير حيث شكل مثلثاً جغرافياً مع قبري زميليه الشاعرين بدر شاكر السياب ومحمد علي اسماعيل..
وهكذا ستمر ذكراه الثامنة هادئة كحياته تشير بأصابع واثقة الى ان جريمة قتل المثقف العراقي في وطن شبع ابناؤه موتاً وقتلاً لا بد ان تتوقف ولا بد ان تعمل المؤسسة الثقافية الجديدة على وضع حصانة للأديب كونه يمثل تراث أمته العراقية وليس من الحق أن يقتل على أيدي قتلة أميين لا يعرفون انهم بفعلتهم تلك سيحرمون الإنسانية من الطهر القليل الذي علق فيها.