نال الباحث العماني راشد بن سليم بن راشد السمري مؤخرا درجة الماجيستير بتقدير جيد جدا، من جامعة نزوى، عن أطروحته البحثية التي حملت عنوان (الصورة الفنية في شعر حسن المطروشي)، التي قدم فيها دراسة فنية تجربة الشاعر العماني حسن المطروشي تُعنى بمعالجة بنى الصورة، ومضامينها من منظور علاقتها بنفسية الشاعر، وبيئته، وظروف الحياة المحيطة به، من خلال منهج تحليلي، يسعى إلى الموضوعية .
وفي هذا الصدد يشير الباحث إلى أن أغلب الباحثين قد حصر مصطلح “الصورة” عند الدلالات التالية:اللغوية، والذهنية، والنفسية، والرمزية، والبلاغية. وتعد الدلالة اللغوية أقدم الدلالات التي كانت تستعمل في مجالات شتى، منذ عهد الإغريق، ثم اقتصرت في الدراسات الحديثة على نطاق اللغة وفقهها، وعلم المعاني، وصارت تعني نسخة(copy)أو صورة(pictur) بتمثيل مباشر، أو محاكاة حرفية، لموضوع خارجي بصري. وكانت الدلالة الذهنية تشير إلى أن الصورة هي وحدة بناء الذهن الإنساني، ووسيلته لمعرفة الأشياء، وتقترب الدلالة النفسية من الدلالة الذهنية وتكاد تماثلها، إلا أنها تستخدم في مجال علم النفس، وتأتي بمعنى انطباع، أو استرجاع، أو تذكر، واستعملت الدلالة الرمزية في الدراسات الانثربولوجية، والصورة لديها هي القصيدة كلها، بوصفها رمزا حسيا واحدا ، يكشف عن أشياء كثيرة جوهرية في حياة المبدع، وشخصيته، وطبيعة ذهنه.
وقد عرج الباحث إلى الصورة الفنية مكن منظور تراثي حيث يوضح أن التراث القديم قد عالج قضية الصورة الفنية معالجة تتناسب مع ظروفه التاريخية والحضارية، وقدم عبر قرونه المتعددة، مفاهيمه المتميزة، التي تكشف عن تصوره الخاص لطبيعة الصورة الفنية، وأهميتها، ووظيفتها. وهنا يسوق الباحث آراء لللجاحظ وعبد القاهر الجرجاني وغيرهما. ثم يتطرق للحديث عن التصور النقدي الجديد، يعلي من قيمة الصورة الفنية في العمل الشعري. ثم يستنتج الابحث مما سبق من تعريفات للصورة الفنية، وتطور مفهومها عند النقاد قديما، وحديثا، أن ثمة خلافا بينهم حول مفهوم موحد للصورة، وعلى الدارس أن ينتقي من الصور ما تتحقق فيه سمة الفنية، جامعا بين مطلب النقد الاتباعي للشعر، ومطلب الابتداعي المتجدد.
ويوضح الباحث في مقدمة بحثه قائلا:” المطروشي واحد من الشعراء العرب المعاصرين، وقد اتجه في كتاباته الشعرية عبر النوعية، واستثمار الصورة بتجلياتها الإيقاعية، والتشكيلية، والموضوعية عميقة التعدد، والتنوع في فضاءات متعددة، فرغبت في التعرف إلى ماهية الصورة الفنية لديه عبر استقراء وسائلها، ومصادرها وملامحها العامة، معتمدا في دراستي لهذا الموضوع على المنهج المتكامل، الذي يتعامل مع العمل الأدبي ذاته، فيحتفظ له بقيمه الفنية المطلقة وفي الوقت نفسه لا يغفل علاقته بنفسية قائله، ولا مؤثرات البيئة المحيطة به، وقد استلزم الأمر استقراء النصوص، والمثول أمامها للتأمل، والمعايشة، مع تحري الدقة، والموضوعية في المعالجة ما أمكن، بالقدر الذي يخدم منهج الباحث، دون الخوض في منهج النقد. وقد اعتمدت في دراستي لشعر المطروشي على دواوينه التالية:( فاطمة، قسم، وحيدا كقبر أبي،على السفح إياه)”.
انقسم البحث إلى مقدمة، تم فيها عرض سريع لمفهوم الصورة التي انطلق منها الباحث ،ثم أتبع ذلك بمدخل جاء في محورين: الأول يتضمن موجزا عن الشاعر، وإنتاجه الأدبي، أما المحور الثاني فيتناول جماليات الصورة الفنية، بين نمطي الشعر”العمودي”و”التفعيلة”، وهما النمطان اللذان كتبا بهما حسن المطروشي دواوينه الشعرية، ثم أتبع الباحث ذلك بثلاثة فصول حسب الصورة التي ارتآها، والفصول الثلاثة تمثل وحدة لا انفصام لها في تشكيل الصورة.
الفصل الأول يختص بالحديث عن مصادر الصورة في شعر حسن المطروشي وهي:(القرآن الكريم، والتاريخ، والموروث(الإنساني، والعربي، والصوفي، والشعبي) التي شكلت فضاء روحيا، ونفسيا عميقا عند الشاعر، فتأثر بها، وأثرت في لغته، فخرجت بهذا الطابع الجمالي، ثم الطبيعة. والطبيعة بشكل عام لها تأثيرها الإيجابي، ولذا فالثبات الموضوعي للإنسان العماني يدل على أن هذا الإنسان لديه جدلية، ومقاومة، وصراعا، فتجلت في أدبه الذي تغنى به، وانتشى بمحاسنها، وسكر بجمالها، واتخذها مثلا يحتذيه، بالصور،والأصوات، والألوان، فهام بالطبيعة، وتوحد معها، حتى بلغ هذا التوحد ذروته. وقد تم تركيز الباحث على(البحر والطير) فالشاعر كان لصيقا بالبحر، وصديقا، و أكثر من ذلك، فأتت مفردات البحر متناثرة في نصوصه، وكذلك الطير، مشبها حالته بحالة الطير، في السفر، والغربة، والتنقل .
أما الفصل الثاني فيختص بدراسة موضوعات الصورة في شعر المطروشي، وقد بدأ بالحديث عن الذات والإنسانية، وما يتعلق بها من قضايا نفسية، ثم موضوع الأمة والوطن، ثم الحب، ميرا إلى أن تجربة الحب عند المطروشي قد أخذت شكلين مختلفين، من حيث مزجه بين الذاتي والموضوعي، والحب المرتبط بالسأم والاغتراب.
الفصل الثالث في الدراسة أفرده الباحث للحديث عن الموسيقى والإيقاع، في شعر المطروشي، المتمثل في الوزن والقافية، وقد تم رصد الشكل العروضي عنده حيث(الالتزام بالطابع الخليلي للقصيدة العربية من حيث الوزن والقافية، والإيقاع الموسيقى القائم على وحدة التفعيلة، مع المزاوجة بين الحر والخليلي، كما تم رصد ظاهرة تداخل الأسطر في القصيدة الواحدة) أما القافية فتنحى الأشكال التالية(التقفية التقليدية، التقفية وفق النسق الحر، والمتنوعة، والمتوالية) ثم تشكيل الصورة المتمثلة في التشبيه الموروث، والاستعارة، والتشكيل الحركي، ثم انتقلت الدراسة إلى قصيدة (الصورة) وبعد ذلك تطرقت إلى أمر المعجم، والتراكيب، وختمت بعرض لأهم النتائج التي توصل لها البحث.
بحث في الدلالات اللغوية، والذهنية، والنفسية، والرمزية، والبلاغية