كان الجنرال النبيل فؤاد من الشخصيات المهمة التى ساهمت فى تاريخ العراق وأقترن أسمهُ فى الوثاثق البريطانية منذ أواسط الأربعينيات، وهذا السياسي المرموق والمحبوب من عموم السياسيين العراقيين المعاصرين لهُ من مختلف القوميات والأديان والمذاهب، كان واحداً من صفوة رجال الدولة العراقية الذين أرتبطت أسماءهم بتواريخ بلدانهم ، فصار كل من الأسم والتاريخ عنوان للاخر. حيث ولد الجنرال فؤاد عارف الذي وضع بصماتهُ على صخور جبال العراق الراسخة بالتاريخ في مدينة العمارة عام 1913 ، من أصول كردية وينتمي الى أسره كردية معروفة ، فوالدهُ عارف بن محمود سليل البرزنجية التي أشتهرت في كردستان العراق ، وينتهي نسبه عند الأمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام ) ، أكمل الجنرال فؤاد عارف دراسته الأبتدائية في مدينة كركوك عام 1927 ،ودخل الكلية العسكرية عام 1928 ، وتخرج منها برتبة ملازم ثان عام 1934 ، تسنم مناصب عسكرية في الجيش العراقي ، ثم عين مرافقاً للملك غازي عام 1937 ليصبح مرافقاً شخصياً للملك غازي في جميع جولاته وتفقداته، وفي العام 1941 يصبح عارف آمر فوج في معسكر المنصور برتبة عقيد . وقد حظي الجنرال فؤاد عارف بثقة وأحترام الضباط الأحرارالذين قادوا ثورة 14 تموز 1958 على الرغم من عدم أنضمامه الى التنظيم ، وكذلك عين متصرفاً للواء كربلاء بعد قيام ثورة 14 تموز، ثم وزيراً للدولة، الا أنه أختلف مع الزعيم عبد الكريم قاسم فأستقال من منصبه، شغل مناصب عدة ما بين عامي 1963 و 1974 ، منها وزير للدولة وشؤون الأوقاف عام 1963 ، ونائب رئيس الوزراء عام 1967 حتى نهاية حكم الرئيس عبد الرحمن عارف تموز 1968، وقام فؤاد عارف بدور فعال في أعلان بيان الحادي عشر من اذار 1970.
حيث أن اللواء فؤاد عارف منذ أن برز على المسرح السياسي مع ثورة 14 تموز 1958 عرف بوطنيته الشمولية المتميزة (الكردية العراقية) . لقد عرف بصدق الكلمة وشرف التعامل فكان موضع ثقة الجميع. أي أعني رجل المهمات الصعبة التي قد تواجه الخلاف داخل مركز الحكم أو الخلافات المستعصية بين الحكومة المركزية والحركة الكردية الصاعدة، وكان يفضل الأسلوب السلمي في حلها وهذه الرسالة تصب في هذا المجرى.الى أن في حقائب ذاكرة الجنرال فؤاد عارف أهم المحافل والأحداث التي عايشها السياسي الكردي العراقي ، فهو كتاب موثق وحافل بالأحداث السياسية والتاريخية التي مر بها العراق والمنطقة برمتها، من توترات، وأحداث ساخنة وأنقلابات وثورات ولقاءات داخلية وخارجية، لما لهُ من مكانه بارزة وحساسة في العراق، بدءاً من مكانته، الأولى، في مرافقة الملك غازي، الى وساطته المباشرة بين زعماء الثورة الكردية والقادة العراقيين، والى نواياه الوطنية في تجسيد وطن واحد يلم ويسع كافة العراقيين، ويكون للجميع مكانة لائقة فيه دون تمييز على أساس العراق والدين والقومية . وتعبرعن مرحلة تميزت في تلك الظروف بأنها تعبر بحق عن المشاعر الوطنية العالية للعرب والكرد على السواء والغيرة على سلامة الوطن من شماله الى جنوبه، أنها مرحلة لها أستراتيجيتها ولها تكتيكها بل وحتى أيدلوجيتها التي تلائم تلك الأيام، أنها تعبر عن مشاعر الكرد الوطنية العراقية التي تربط بين قضيتهم وأهدافهم المشروعة في تلاحم لا ينفصم مع اخوانهم العرب في كل القضايا التي تجابه الوطن.
حيث عاش الجنرال فؤاد عارف سبعة وتسعين عاماً لم يرث خلالها خصومات بل ورث تراثا من الود والصداقة مع جميع الأطراف المتخاصمة والمتقاتلة ، فهو يحمل نقاء الشلال ، وصفاء ينابيع كردستان لكنه أمام القضايا التي يرى أنها تمس مبادئه ومبادئ الوطن لايساوم ولا يهادن حتى تجده أصلب من صخور الجبال وجلمودها.
وظل بيته في وزيرية بغداد مزاراً للمؤرخين والسياسيين وطلبة العلم والصحفيين الذين يدونون عنه الكثير الكثير مما كانت تجود به ذاكرته المتقدة، فهو يروي الاحداث وكانه وقعت قبل سويعات بنا هي قد حدثت قبل أكثر من نصف قرن !
والجنرال فؤاد عارف هو أحد صانعي الحدث السياسي في العراق، وشاهد على مرحلة مهمة أمسك فيها العسكر بزمام الحكم في العراق. وقد ترك لنا مذكراته التي يصف الكثير من تفاصيل ما جرى خلف كواليس السياسة العراقية
ويروي اللواء المتقاعد فؤاد عارف الذي كان مرافقاً للملك غازي عام 1936 ، أن الملك غازي حمل رئيس أركان الجيش الفريق بكر صدقي رسالة إلى هتلر يتعلق بافاق التعاون العسكري بين الحكومتين العراقية والالمانية ، وعند أغتيال بكر صدقي في الموصل ، أتصل هاتفياً بالعقيد أمين العمري الذي كان أمراً لحامية الموصل ، طالباً منه الحصول على الحقيبة اليدوية لبكر صدقي والتي تحوي تلك الرسالة وأرسالها أليه بيد شخص أمين . وفي اليوم التالي طلب السفير البريطاني في بغداد مقابلة الملك لأمر هام . وعند مجيئه الى البلاط الملكي ، كان بحوزته حقيبة بكر صدقي وهو يقول : ” صاحب الجلالة ، أنكم طلبتم حقيبة بكر صدقي ، آثرت أن أسلمها لجلالتكم شخصياً ” . فاوضح الملك بعد ذلك لمقريبه : ” يظهر أن أيامي قد قربت. ” .
وتكتسب هذه الشهادة أهميتها التاريخية من واقع أن راويها “رجل مبدأ، شفاف، ومتواضع لا يسع المرء ألا أن يحبه ويحترمه لما يحمل من خصال طيبة فرضته على السياسة من دون أن يبحث هو عنها ” كما يصفه في مقدمة مذكراته.
حـيث تتقدم صاحبة السمو الملكي الآميرة الدكتورة نـسـريـن بنت الأمير الدكتور محمد بن الملك فيصل الأول ملك العراق بن الشريف حسين شريف مكة المكرمة
بأزكى التعازي والمؤاساة الى العائلة الكريمة
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30}
صدق الله العظيم
لقد عرف المغفور له بحكمته وبأعتداله لما فيه المصلحة العامة محلياً وأقليمياً مما أكسبه أحتراماً عميقاً على كافة الأصعدة. .ببالغ الأسى والحزن بلغنا نبأ وفاة العم فؤاد عارف المغفور له
العم فؤاد عـارف في ذمة الله
رحل عنا أبن العراق.. الشخصية العراقية الكردية الفذة حضرة فؤاد عارف
العم فؤاد ممن تبقى لي من رائحة أهلي الذين لم أراهم إلا في القبور بالأعظمية.. العم فؤاد من كان الصديق الصدوق والأمين لعمي المغفور له بإذن الله الملك غازي .. العم فؤاد من كان عين عمي في رعاية والدي
رحل العم فؤاد، وكأني أعيش رحيل عمي غازي ..
ذهبت إلى حيث يرقد عمي في الأعظمية وقدمت لهُ التعازي بوافاة صديقة.. وقلت له: عمو فؤاد صار عندكم.. فرقتكم السنين ولكنكم الآن وبعد 70 عاماً ها أنتم تلتقون مرة أخرى..
حرموني منك وحرموني منه.. وها أنا أراكم فقط في القبور.. لا أدري ماذا أيضا سيحرمونني منه؟!
رحل عمو غازي ورحل العم فؤاد .. وأنا بقيت في وطن صار أقسام وطوائف.. أتراني سأرحل معهم أم سأبقى لأعيش يوماً لا أسمع فيه إلا عراقي.. أفخر بلباسي الكردي ولغتي الآشورية وأصولي العربية ..؟؟
العم فؤاد عارف أبن العراق الكردي الأصيل في ذمة الله
تقبلوا خالص تعازينا ومواساتنا، وأدعو الله أن يسكن المففور لهُ فسيح جناته ويلهمنا وإياكم الصبر والسلوان.
البقاء لله جل وعلى.. إنا لله وإنا إليه راجعون ..
الموت أنهُ الهاجس الدائم للبشر منذ الخليقة. وحين فكر كلكـامش في الخلود لم يكن ذلك سوى البحث عن فكرة تتجاوز حقيقة الموت والفناء.
و يبقى الموت هاجساً يؤرق البشـر، ويترصدهم، ويداهمهم كل يوم ويدخل بيوتهم دون إستئذان ويخطف أحبتهم، كونه الحقيقة الوحيدة المطلقة التي لا مجال لردّها ” وكل نفس ذائقة الموت … ” كما يقول القرآن الكريم. ” وكل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. ” .
وهكذا نودع مرافق الملك غازي والوزير في العهد الجمهوري هذه الشخصية الوطنية العراقية الكردية التي خدمت العراق فى العهد الملكى والجمهورى وسيبقى
الجنرال فؤاد عارف أسماً خالداً في سجل تاريح العراق.