ومضة تأمل في موسوعة (الرسالة القشيرية) التي ألفها إلى جماعة من الصوفية ببلدان الإسلام: أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، المتحدث الصوفي، في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة هجرية. وأثناء قراءتنا للمقدمة التي كتبها القشيري سنعرف أن سبب هذه الكتابة، حدوث فتور في الحراك الصوفي، سببه غياب التواصل بين الاجيال : ( أعلموا، رحمكم الله، أن المحققين من هذه الطائفة أنقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا هذا من هذه الطائفة إلاّ أثرهم / 8 ) ..
إذن ما يقوم به القشيري هو جهد معرفي لتجاوز هذا الانقطاع، الذي يشخصه القشيري قائلا ( مضى الشيوخ الذين بهم اهتداء، وقلّ الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء..) ثم يبين لنا انتباذ الشباب عن الشريعة ورفض التمييز بين الحلال والحرام، وتفرغوا للملذات وتعاطي المحظورات.
توقفت قراءتي عند هذا النسق الثلاثي الذي كان يتعامل معه شباب الأمة الإسلامية وهو الانتفاع (بما يأخذونه من السوقة والنسوان وأصحاب السلطان) ما بين القوسين إيماءة على فساد السلطة آنذاك من خلال قول القشيري (أصحاب السلطان) القشيري لم يفعل الوعظ معهم، أو يتشدد معهم بل اشتغل على البعد التربوي القويم، ليصوغ للشباب المسلم
من خلال شخصيات صوفية سالفة : مُثلا يقتدون بها في توجيه شباب الأمة آنذاك (أشفقتُ على القلوب.. فعلّقت ُ هذه الرسالة إليكم، وذكرتُ فيها بعض سير شيوخ هذه الطريقة في آدابهم، وأخلاقهم وما أشاروا إليه في مواجيدهم، لتكون لمريدي هذه الطريقة قوة، ومنكم لي بتصحيحها شهادة / 9)
وتتوزع الرسالة إلى فصول ولكل فصل عنوانه، نتوقف عند
(فصل
في بيان اعتقاد هذه الطائفة في مسائل الأصول
التوحيد عند الصوفية –
التوحيد وأصوله عند الصوفيين )
ثم تتوالى الفصول التي تتغذى من مواقف ومواعظ وبوراق الرجال الذين أفنوا أعمارهم في التوجيه والترشيد، وبعضهم تخلى عن ثراء الأسرة مثل إبراهيم بن أدهم، والمحاسبي، ومنهم من تجرد من البطش بالناس كالفضيل عياض وصار يهدي شباب الأمة إلى سواء السبيل .. ومن منهم من نذر نفسه للجهاد مثل محمد بن واسع، وآخر لم يتخل عن مذهبه مثل الحلاج ومنهم من تصالح مع الوضع القائم، وتحديدا ً بعد وحشية قتل السلطة للحلاج. حيث لجأ النفرّي إلى برية المواقف والمخاطبات
وعلى مشارف المائة الأولى في الرسالة القشيرية، نكون مع باب آخر هو
(باب تفسير ألفاظ تدور بين هذه الطائفة وبيان ما يشكل منها) يتوقف القشيري عند هذه المفاهيم:
الوقت :سيف لين مسّه، قاطع حدّه
المقام: ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب
الحال: معنى يرد على القلب، من غير تعمد
القبض والبسط :هما حالتان بعد ترقيّ العبد عن حالة الخوف والرجاء
: القبض للعارف بمنزلة الخوف
الهيبة والأنس : هما فوق القبض والبسط. الهيبة : أعلى من القبض والأنس أتم من البسط. وحق الهيبة : الغيبة
التواجد والوجد والوجود : التواجد هو استدعاء الوجد بضرب الاختيار. والوجد : ما يُصادف قلبك، ويرد عليك بلا تعمد وتكلف. أما الوجود: فهو بعد الإرتقاء عن الوجد
الجمع والفرق : الأول هو ما سُلب منك والآخر هو ما نسب إليك
جمع الجمع: الاستهلاك بالكلية، وفناء الإحساس بما سوى الله
الفناء والبقاء : الأول هو سقوط الأوصاف المذمومة والثاني : قيام الأوصاف المحمودة
الغيبة والحضور: هي غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق. والحضور فقد يكون حاضراً بالحق، لأنه إذا غاب عن الخلق حضر بالحق.
الصحو والسكر : رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة يعني الصحو .أما السّكر فهو غيبة بوارد قوي
الذّوق والشرب : صاحب الذوق متساكر، وصاحب الشرب سكران
المحو والإثبات : الأول رفع أوصاف العادة، والثاني إقامة أحكام العبادة
الستر والتجلي: العوام في غطاء الستر، والخواص في دوام التجلي
المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة : الأولى : حضور القلب. والثالثة : حضور الحق. أما الوسطى فهي بسط صفاته
البواده والهجوم : ما يفجأ قلبك من الغيب على سبيل الوهلة : يعني البواده أما الهجوم : ما يرد على القلب بقوة الوقت مِن غير تصنع منك
التلوين والتمكين : صفة أرباب الأحوال. أما الثاني فهو صفة أهل الحق
القرب والبُعد: هو القرب من طاعته ، أما الُبعد فهو التدنيس بمخالفته
الشريعة والحقيقة: الأولى أمر بالتزام العبودية، الثانية هي مشاهدة الربوبية
النفس: ترويح القلوب بلطائف الغيوب
الخواطر: خطاب يرد على الضمائر
الوارد : ما يرد على القلب من خواطر محمودة
الشاهد : معناه الحاضر فكل حاضر قلبك فهو شاهدك.
نكتفي بهذا القدر من لطائف الرسالة القشيرية،
من جانب آخر (الرسالة القشيرية) هي من إعداد القشيري، وكلفه ذلك جهدا عظيما في تجميع المراجع والمصادر، ومن هذا التكليف ومن بقية مؤلفات القشيري امتلك الفكر الإسلامي صرحا معرفيا/ عرفانيا لا نظير له.