أصدرت نخبة من المثقفين العراقيين نداءً بعنوان (حملة لإدانة استخدام الشتيمة والإسفاف في الخطاب الإعلامي)، على أثر ما تعرض له الدكتور سيار الجميل من تعليقات مسيئة، ومقالا بعنوان “العراق العثماني (1532- 1918) ” ووضعوا اسمه بشكل (مسيار الجميل) على موقع الشبابيك. هناك عدة أسباب دفعتني لكتابة هذا المقال التوضيحي، الأول، ورود اسمي في نص النداء، والثاني، أن التعليقات المسيئة كانت على مقالي الموسوم: (حول الإنكشارية والمماليك والفزعة اليعربية!!) أرد به على مقال الدكتور الجميل، كذلك ما حصل فيما بعد من تصعيد للأزمة من قبل الدكتور سيار، ومحاولاته تجيير النداء المذكور ليبدو وكأنه أنا المقصود به من المتطفلين على الثقافة وذلك من خلال تلميحاته ومقالاته اللاحقة بعنوان (اضطهاد الوعي). لذا ولهذه الأسباب وغيرها أذكرها لاحقاً، وتفادياً لأي التباس وسوء فهم، رأيت من الضروري نشر هذا التوضيح، مع الاعتذار للأصدقاء الذين وعدتهم بعدم الرد على الرد الثاني للدكتور الجميل، استجابة لمناشداتهم.
بتاريخ 8/8/2010، نشرتُ مقالاً بعنوان: (الحل لأزمة تشكيل الحكومة) وردَتْ فيه مفردات دون قصد الإساءة لأية جهة مثل (التركية، والانكشارية والمماليك) وكيف جاء الانكليز بفيصل بن الشريف حسين من الحجاز ونصبوه ملكاً على العراق…الخ. الظاهر أن هذه المفردات أغضبت الدكتور سيار الجميل، فرد بمقال غاضب عنوانه: (العراق الملكي: هل حكمه أولاد الانكشارية ؟) معتبراً مقالي إهانة للملك، وفريقه الذين حكموا العراق في العهد الملكي. والأشد من ذلك أن الأستاذ الجميل اتهمني بأني أنبش في أصول وفصول العراقيين وأصنفهم حسب انتماءاتهم القومية والدينية!! وهذا التصنيف يضر بالوحدة الوطنية التي نحن بأمس الحاجة إليها الآن!! بينما في الواقع، هذه المفردات مذكورة في العديد من كتب التاريخ لأكاديميين وسياسيين من الوزن الثقيل، ليس بإمكان أحد أن يزايد على وطنيتهم ومصداقيتهم، كما واتهمني بأني أدعو في كتاباتي إلى “إثارة للانقسام والجهر بالانتقام” لأسباب طائفية، وسأوضح ذلك في مقال مستقل رداً على رده الثاني المطول بـ(24 صفحة).
وقد سبق ذلك، نشر العديد من المقالات ضدي على موقع الحوار المتمدن وغيره، تردِّد ذات التهمة، علاوة على التعليقات على مقالاتهم معظمها مسيئة لي وتحت أسماء مستعارة، بحيث صرت أعتقد أن هناك حملة منسقة بغية ابتزازي، والطعن بمصداقيتي لدى جمهور القراء الكرام، تمهيداً لإسكاتي وإخراجي من الساحة كما يأملون ويتمنون، ولكن هيهات.
وكما يفعل غيري من الكتاب، نشرت ردي الأول، الذي أثار كل هذه الزوبعة لدى الدكتور الجميل، في عشرات المواقع، ومنها موقع الشبابيك. ولسوء الحظ، أضاف عدد من القراء تعليقات في نهاية مقالي، بعضها كانت مسيئة للدكتور سيار الجميل، ودون أن أعرف بها. ومما زاد في الطين بلة أن نشر أحد الكتاب مقالاً بعنوان (العراق العثماني) باسم مسيار الجميل الذي يشبه اسم الدكتور سيار الجميل. ولما علم الدكتور الجميل بذلك المقال والتعليقات المسيئة كتب رسالة وجهها إلى عدد من المثقفين الأفاضل، ومنهم الصديق العزيز الدكتور كاظم حبيب، يشكو لهم ما ناله من إساءات، مستنجداً بهم للمساعدة وأخذ موقف موحد بكتابة بيان إدانة للدفاع عنه وعن المثقفين الآخرين، وأنه أي الدكتور سيار، قد أبلغ منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهناك محاميان سيبحثان في الموضوع، ونداء المثقفين إذا ما وقع عليه عدد كبير، سيساعده لمقاضاة مسؤول الموقع ومن وراء هذه التعليقات. بقي أن نقول أن النداء، ورغم مرور أكثر من أسبوع علي نشره وتوزيعه على نحو أربعة آلاف مثقف، لم يوقع عليه أكثر من 31 شخص، ولهذا الرقم دلالته.
وفي رسالة أخرى للدكتور الجميل اجتزئ بعض ما جاء فيها: “وقد سمعت من احد الأصدقاء ان الاخ عبد الخالق هو الذي يراسل هذا الموقع وباستطاعته ان يوقف هذه الهجمة اللااخلاقية .. ان الانحدار الذي وصل اليه بعض المثقفين العراقيين الذين يستجدون سمعتهم (كذا) من هكذا مواقع، جعلتْ من يريد الحفاظ على كرامته وقيمته ان يؤثر السكوت. ان الاخ عبد الخالق يتحمّل مسؤوليته بارسال مقالته وحدها الى هكذا مواقع، وهو يعلم بما سجّل ضدي على واجهته”.(انتهى النص).
والحقيقة أني استغربت من قول الدكتور سيار، فأي كاتب لا يبعث مقالته للمواقع وحدها، وهل المطلوب مني أن أرسل مقالات غيري من الكتاب إلى المواقع؟ وبعد أن تأكد أن مسؤول موقع الشبابيك رفض حذف التعليقات، ألقى الدكتور سيار اللوم عليّ إذ هدد في إحدى رسائله: “ومثلما له موقفه تجاهي بعد هذه الأزمة ، فان لي موقفي تجاهه ولن اتنازل عنه مطلقا… لا اريد منه ان يسكت ان وجد انني تجاوزت حدودي معه في أربع وعشرين صفحة ..”. وهكذا حوَّل الموضوع من اختلاف فكري إلى صراع شخصي.
وأنا بدوري، أحلف بمقدساتي أني لم أكن على علم بكل ما كان يجري على موقع (الشبابيك) من تعقيبات على مقالي إلا بعد أن بعث لي الدكتور كاظم حبيب رسالة ومعها رسالة الدكتور سيار، ومن ثم صرت مشاركاً في تبادل الرسائل أولاً بأول. وبناءً على اقتراح الأخ كاظم حبيب، بعثت رسالة إلى مسؤول موقع الشبابيك، ونسخة منها إلى الدكتور كاظم والزملاء الآخرين، طالباً منه أن يحذف التعليقات المسيئة، ولكن بلا جدوى. وأخيراً انتهى الأمر بأن أصدر الأخوة الكتاب الخمسة نداءً إلى المثقفين العراقيين يناشدونهم بالتوقيع عليه، لحماية الدكتور سيار الجميل وكل المثقفين من التعليقات البذيئة. أؤكد أني تألمت كثيراً لِما تعرض له الدكتور سيار من تعليقات مسيئة، خاصة وإني أيضاً متضرر منها كما هو، لأنها أضيفت على مقالي وهي إساءة للمقال ولكاتبها. صحيح أننا نختلف فكرياً، ولكن المفترض أن إثارة هذه السجالات دليل على حيوية المجتمع العراقي، ولا شك أن التعليقات المسيئة تؤثر سلباً على المناظرات، إذ تهبط بها إلى مستوى غير لائق بالمثقفين.
مشكلة التعليقات المسيئة
من المعروف أننا ككتاب نتعرض يومياً إلى عشرات التعليقات، منها جيدة وإيجابية يستفيد منها كاتب المقال، ومنها بذيئة وفاحشة لا تقل وضاعة عن تلك التي تعرض لها الدكتور سيار الجميل في موقع الشبابيك. تأتي هذه التعليقات، على مقالاتنا، أو عن طريق الرسائل الإلكترونية، وليس بإمكاننا إيقافها أو عمل أي شيء إزاءها، إلى حد أني لجأت في الأشهر الأخيرة إلى حجب التعليقات على بعض مقالاتي في الحوار المتمدن، لأن هيئة التحرير في هذا الموقع الموقر أعطت المجال للكاتب أخذ مثل هذا الإجراء، بينما لا يوجد هذا الخيار في المواقع الأخرى. وعند تعرضي إلى هجوم من قبل البعض وتحت أسماء مستعارة، لم أشكو همي إلى الآخرين ولم أطالب المثقفين بالتدخل والنجدة أو إصدار بيان أو نداء استنكار، وإلا قضينا معظم أوقاتنا في كتابة البيانات واستنكار التعليقات. كذلك أرى من الصعوبة في بعض الحالات وضع حد فاصل بين تعليقات فنقول هذه مسيئة وتلك غير مسيئة، لأنها تقع ضمن حق الاختلاف في الرأي وعلى الكاتب أن يتقبل ذلك.
على أي حال، صارت هذه الأزمة موضوعاً لمجموعات النقاشات، إذ استلمت عدداً من الرسائل التي تتداول عن طريق الإيميلات وما أكثرها في هذه الأيام، ومنها رسالة يبدو أن صاحبها مطلع على ما يجري بين المثقفين، ومتابع لمقالات الدكتور سيار الجميل بالذات، وجدت رسالته جديرة بالذكر فهي تمثل وجهة نظر معينة وأترك الحكم للقراء، قال صاحب الرسالة:
“يبدو أن الدكتور سيار الجميل يتطلع دائما إلى أن يكون ضحية ويجب دائما أن يبدو مطاردا ومضطهداً، ففي بداية السقوط المدوي لنظام البعث روّج دعاية مفادها أنهم هددوه بالقتل إن هو مارس الكتابة. وبما إن الأمور كانت تتسم بالفوضى فقد كان تسويق مثل هذه الادعاءات يلقى القبول والتضامن من قبل المثقفين، وخاصة أولئك الذين يعيشون في الخارج بسبب ما يسمعونه من أخبار مروعة عن الفوضى في العراق. وفعلا فقد تضامن معه الكثير من المثقفين والكتاب وأعلن هو من جانبه قرارا بعدم الكتابة مرة أخرى، ملقيا اللوم على من هدده باعتباره سيحرم الناس من قلمه الفذ، ولكنه بدأ يكتب من جديد ولا اعرف كيف كان إخراج الموضوع.” (انتهى النص).
وتعليقي على هذا الجزء من الرسالة هو أن الدكتور سيار عاد للكتابة ولكن في حملة شديدة ضد عراق ما بعد صدام، معتبراً كل ما تحقق في العراق الجديد هو شر مطلق والذين شاركوا في الحكم هم جهلة ومرتزقة وفاسدين، وأن هذه الديمقراطية الكسيحة جلبت لتدمير الشعب العراقي….الخ طبعاً هذه وجهة نظر قطاع من الناس، وبالمقابل هناك من ينظر إلى الوضع أن العلاج لا يكون برفض كل ما تحقق، بل بإصلاحه تدريجياً وفق ما يسمح به الوضع، فالديمقراطية الكسيحة أفضل من ديكتاتورية قبيحة!!
وعن كاتب مقال (العراق العثماني) يقول صاحب الرسالة: “لا اعرف لماذا يتحتم على كاتب ما أن يتخلى عن مقال ممتاز وفيه جهد واضح، تاريخا ولغة وحبكة، ويقدمه على طبق من ذهب الى السيد سيار الجميل، بل وهو يتحايل على الناس لكي لا يميزوا بين اسمه واسم سيار الجميل …وفي النهاية يجب أن لا تفوت ولا تجوز على أحد مثل هذه الترهات ويجب ان تواجه بما تستحقه من استهجان، ولا بأس أن يعرف الدكتور سيار الجميل أن المكانة الكبيرة في نفوس الناس تتأتى من الإبداع والجهد الفكريين والصدق، وليس من أي شيء آخر .. ”
والجدير بالذكر أن الدكتور سيار الجميل ليس وحده الذي تعرض إلى انتحال أسمه في مقال، إذ تعرض قبله كاتب وه صديق عزيز إلى أسوأ من ذلك، حيث نشر شخص محتال قبل أسابيع مقالاً مسيئاً للإسلام على الحوار المتمدن، وهذا أخطر مما تعرض له الدكتور الجميل، لأن هكذا مقال يعرض صاحب الاسم إلى التصفية وليس فقط للإساءة إلى سمعته، كذلك يعرضه إلى مشاكل مع ذويه وأصدقائه ومعارفه، وتكررت له المحنة مرتين لحد علمي، ولم يلجأ الكاتب إلى أي إجراء، وماذا بإمكانه أن يعمل غير مطالبته للموقع بحذف المقال لأنه يحمل اسمه افتراءً.
خلاصة القول: أنا أدين ما تعرض له الدكتور سيار الجميل وأي مثقف آخر من تعليقات مسيئة، وأنا نفسي ضحية هذه التعليقات، ولكن في نفس الوقت حاول الدكتور تحويل الاختلاف الفكري إلى عداء شخصي لا يليق بمثقف، وتجيير النداء كما لو كنت أنا المقصود به، ثم راح يوجه لي تهماً شنيعة في رده الثاني المطول، منها: بأني أنبش في أصول وفصول الناس وأفرق بين العراقيين على هذا الأساس، والثانية أن كتاباتي، وخاصة الفصول الأربعة التي نشرت لحد الآن من كتابي عن الطائفية السياسية، فيها “إثارة للانقسام والجهر بالانتقام” ولعل هذه الفصول هي السبب الرئيسي لهذه الزوبعة، وليس مجرد ذكر أربع كلمات في مقال من ألفين كلمة. وثالثاً، في مقالاته اللاحقة (اضطهاد الوعي) وهو يصف المتطفلين على الثقافة العراقية: (إنهم لا يكتفون باضطهاد الإنسان أو حتى قتله والتشفّي فيه، بل التشكيك بعراقيته من خلال أصله وفصله، إذ جعلوا أنفسهم أوصياء على الناس وهم بلا معرفة وبلا ثقافة وبلا أخلاق..). أقول، لا يحتاج القارئ المتابع إلى عبقرية ليعرف من المقصود بهذه الكلمات التي لو وجهت إلى الدكتور سيار نفسه، تلميحاً أو تصريحاً، لكانت مشروعاً لنداء جديد لحمايته من ” أناس بلا معرفة وبلا ثقافة وبلا أخلاق..”. وهذا يذكرنا بالمثل المصري: “ضربني وبكى، سبقني واشتكى”.
العنوان الإلكتروني للكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.com/