اللغة من أقدم وسائل التعبير البشري، تطورت على مر الحقب، حتى بات لكل دولة لغة خاصة بل على المستوى المحلي للدولة الواحدة هنالك العديد من اللغات واللكنات وبات هناك عهد قديم وآخر جديد يتماشى مع متطلبات العصر، وبخضم المتغيرات المعرفية واختلاف الثقافات برز دور المترجم، وبدأ التميز بين أساليب ومدارس الترجمة وطرق تناولها من قبل المترجمين وبات علما يدرس في الجامعات إضافة إلى اشتقاقات واصطلاحات جمة.
الكل يعرف تاريخ اللسانيات والتراجم وأقسامها واليوم أتناول زاوية من وجهة نظر كاتب روائي.
الترجمة الإبداعية وفخ الأمانة…
يتبادر إلى الذهن سؤال: “هل باتت الأمانة فخا” أجيب، الأمانة بكل مناحي الحياة مطلوبة لكن بالترجمة الأدبية تعد “فخ” له شدق براق مبتسم وما أشبهه بحسان البحار ذوات الدروع المنبثقة أو حبة عسل بكرز مقرمش على الطريقة الفرنسية، أو أنه وهم العظمة عند المتصنعين، لن أسهب بكلام يجانب فكرة ناقوس الحقيقة كي نضيء نفق الفكرة المعتم ونحكي عن فخ الأمانة وصلته بالخلق الإبداعي لدى المترجم.
إن المترجم الغض يسعى لنقل الصغيرة والكبيرة حاله حال الكاتب المبتدئ يقوم بوصف كل تفاصيل وتقاطيع الزهرة، الانحناءات واعوجاج الأغصان، تفاصيل قطرة الندى، لزوجة الفكرة بقلب طفل، لكن الأمانة ستكون بهذه الحالة مصيدة توقع المترجم والكاتب المبتدئ بالفخ تكون عند الأول مادة ميتة غير مترابطة خالية من التوتر الدرامي والكلمات لا تخلق موسيقى ولا تترك أثرا، ولدى الثاني الإسهاب بالوصف يشعر القارئ بالضجر حين يقرأ لحديثي الولادة.
روح النص هو قلب الفكرة هو شعر يسبح بخيال النسيج للإبداع وكي تخلق نصا موازيا عليك أن تتعلم كيف تخون النص من أجل أمانة النص.
كيف يتحقق ذلك، وكيف يتحقق الإبداع الموازي، يتحقق بحالة واحدة تختلف من شخص إلى آخر حسب طرق تناول الخيال للموضوع، لكنه شبيه برسم مجسم، مطبوع على كراس امتحان وفوق رأسك عينان مراقبتان صارمتان، باختصار ملامح صارمة لمراقب قُدّ من حديد المستحيل، كي تنجح عليك استخدام أدوات الفضاء بأدوات متأنية، لا تحكمها قواعد إلا الإبداع، كي تنقل شكلا موازيا وتحافظ على الأبعاد والمنظور وإيقاع الحركة بين الظلال، إذن عليك أن تأتي بشيء جديد، والمترجم عليه أن يراقب الكلمات، الجمل، الصورة، أن يعيد ويقرأ مرارا ويسأل، كي تتحول الكلمات إلى صورة ذهنية، وبعد ذلك يأتي على تموضعها بالجملة وتأثيرها الطيفي على النسيج السردي والتوترات التي تخلقها اللغة الام في النص.
إن تكون مترجما مبدعا فأنتَ حرفياً تحولت إلى نحات يضرب إزميله على جديلة الكلمات ويخلق “الحجر الناطق” أن تترجم فأنت تخلق عملا إبداعيا جديدا، عليه لا تتقيد بالمكتوب، كيف يكون مكتوبا، انظر إليه، فككه وافهمه؛ “كون نصف العمل فهم العمل” وتأتي المهارة على البقية، قدم وآخر وراجع وارفع من ثم كي تكون أمينا انحت الناتج الذي خلقته في إيجاد الكلمة المناسبة بأخرى تموضعها يعطي القناص إمكانية أكبر بتأدية مهمته.
وإن دليل تحقق النص الإبداعي الموازي هو “سعادة الخلق” مشاعر يشترك بها المؤلف مع المترجم الخالق، حين يشعر أنه أنتج شيئا جديدا مختلفا، وتلك الساعة فقط يتم الأمر، بخلق جديد، إبداعيا موازيا، جانب حركة الكلمات ومواضعها وقارب بين الصور واخلق التوتر بلغة الكاتب الأم وانسج نصا يحدث بالنفس ما تحدثه كلمات اللغة المنقول منها، أي لغة كانت وتحت أي قواعد، إن كان المترجم خالقا فإنه سيطوع الفكرة مثل حديد تسخنه الرغبات في بوتقة الأحداث.
وهكذا يفلت المترجم من فخ الأمانة ويتحول إلى نجمٌ خالق.