تشيّد د. رغد السهيل بروايتها احببت حمارا عدة منافذ ثقافية وجمالية سأُوجزها ، وانفذ عبرها الى خلاصة تطبيقية تحليلية للرواية.
اولا : في الجوهر اللغوي
ضمن هذا الاشتغال الفني والتجريب الروائي يمكن ملاحظة خصائص الاستثمار اللغوي (بناء ، وسردا، ثم تشكيلا حكائيا ، ورؤية لحدود تقنيات الرواية). أ ـ البناء الجملي يمكن متابعة الجمل كبناء جمالي ينسرب الى التدوين بلغة شفافة رقيقة تخص طبيعة المسار النصي عند توغله في الأثر الصوتي (للدوي) . الدوي الذي يُقَطَّع بطريقة الكولاج ، بفواصل وتسطيرات تقارب التذييل والهوامش ، فلكل حدث حاشية واستعارة بلاغية لها تأثير العطر الإنثوي ، كأن الكتابة عارض والمعنى فائض ، والفيض غياب وحضور .. يرافق ذلك تهويمات موحية بالتماسك وإلتقاط اللحظة الهاربة .. ب ـ لغة السرد لغة السرد تلقائية ايحائية متشظية تضمر مفارقات ومباغتات لسِيَر (مختلفة ، متناقضة) تكتبها بتراسل اجناسي متنوع ، وبتغاير تجريبي متسارع . ج ـ تراتب نصي تبتغي الكاتبة تطويرا للأشكال السردية ـ في الرواية ـ لتتجه به نحو المغايرة السردية النصية عبر مجازات السرد ومباغية السرية المستمرة بالمخالفة النصية والغرائبية السردية .
ثانيا : الاستمرارية الاشارية
يستمر تدوين د. السهيل بزرع علائمي يقرّب بين الاشارات بدلالات مفتوحة اوغامضة تسهم في تقويل الحدث ليلبي النمو الاستعاري البلاغي الحيوي .
من بين اساليبها التدوينية ، استثمارها للعلائم والاشارات لتسريب الروي بجمل مباغتة تشبه لغة الهذيان ، كونها ايجازية سريعة الايقاع ، تحاكي صدمة الافتتاح ، بها تكسر التوقع لصالح الإيهام .. ومن تجربتها الكتابية الفائتة تنفذ الى عجائبية غريبة المحتوى ، بسيطة المعنى تتصل بغايتها مباشرة ، على الرغم من احتفاظها بطاقة الابهام الفنية. فضلا عن أن د. السهيل تميع العبارة لتغدو كـ ” دلع البنات ” ومن ثم تدس قصة بباطن قصة ، كنوع من الإستدراك المُرَمَّز المفعم بتفاصيل جديدة ، وتراكيب متعددة الاغراض.
ثالثا : التوليد الروائي
تميل الساردة الى تنميط من نوع خاص ، تلجأ اليه كون الرواية بناء تداولي فخم .. تيسر ذلك بحدث مفاجئ ، متحول (مولد) بصورة مباشرة وغير مباشرة ، بحسب مزاج الكاتبة وذائقتها .. يمكننا استجلاء مضمونه الفني بِعَدِّه توليداً متجدد الآليات إذ أنه يتجه الى جماليات التفكيك والتشظي والسرد المتعالي دونما فقدان للقصدية المنضبطة، أي ، بوجهة نظر محايدة ـ (وجهة نظر اخلاقية محايدة . ـ اخلاقية مور ـ فرنسا). رابعا : تخطيطات
رواية (احببت حمارا) مخطط فني لخارطة تأليف ، ما قبل الرواية . فتبدو الرواية متقصدة كأنها حكايات للأطفال لما قبل النوم .. أتريد ” السهيل ” أن تنيمنا نوما هادئا؟! أم تريد أن تدغدغ مشاعرنا بتذكيرنا بالماضي الحزين ومقابلته بالحاضر المفجع ؟ ربما تريد ان تصدم القارئ بمباغتة محسوبة .. (راجع : استرجاعات الجدة (
خامسا : في شعرية السرد
يميل الشكل الفني ، البلاغي تحديدا ، للرواية نحو ايجاد خصوصية فردية ضمن جماليات الشكل السردي المتعالي لأجل خلق منظومة لسردية شاعرية بلغة شعرية قصيرة الجمل موجزة المعنى .. تستثمر تقانات الومضات القصصية الشعرية عبر اشارات حيوية ذكية متنامية كثيفة التعبير ، متعددة التأويل لا تبتعد عن قصدية السرد دونما افتعال شعوري او شعري مترهل!
من تجليات الراوية بهذا (النحو) أنها تبث القول بشعرية عطر انثوية تدوخ القارئ فتديم عنده عاطفة العذوبة المفرطة ، حتى الحسية ، أحيانا .
سادسا : دلالات روائية خاصة
تنقسم دلالات الرواية الى دلالات معنى ودلالات استثمار فني .
في جانب المعنى ، تؤشر الكاتبة غايات انسانية ، منها جنسية غير مبتذلة ومنها اخلاقيات ذات هدف انساني عام ، ترفض عبرهما كل امتهان جسدي او معنوي ، وتحتج على السلوك الإضطهادي التقليدي والجديد .
أما الجانب الفني ففيه استثمارات لدلالات تتجه لتأكيد قيم السرد المتعالي والميتاسرد الروائي ، وتستثمر تلك بتوصيف لغوي شاعري ، تصل في بعض تجلياتها الفنية الى خرق النظم السائدة لأجل ابراز النوع الجديد من السرديات المُهَجّنَة بناءً واستعارة. ومن تلك الاستعارات المفعمة بالشعرية ، وفي الرواية تأكيد على أن (الساردة العليمة ـ بطلة الرواية ـ هي الأكثر رغبة في تأكيدها لغرامها الغريب ـ البديل ـ عن العشق البشري ، فهي تشكو من ” الفراغ العاطفي والكبت بسبب زوجها الرجل الذي يكبرها سنا ، انه رمز لعدم الاشباع ، وهي تكرهه ، لتأشر عدم التجانس واللاوفاق العائلي.” كما أن هروبية الساردة العليمة من العلاقة الزواجية الى علاقة الحب الحميم لحيوانها يدل على عشقها للوفاء الذي تكنه لصاحبه لا لأنها تهوى قوته الجسدية كحمار . وهذا يشكل بعدا استعاريا لا تجسيدا نمطيا .
سابعا : ثراء التقانات الروائية
أ ـ تؤكد الرواية على التحرر من قيود التقليد باعتمادها تقنيات تجريبية تخص الميتاسرد والاساليب الجديدة لرواية اللارواية. ب ـ الانحياز الى جماليات السرد المعاصرة التي تخلط بين الفنون والاساليب والمعارف ، القديمة والجديدة . بطلاتها انثوية حريرية اللغة ، محققة بذلك المتعة الحسية والمنفعة الثقافية بعكس اشتغالات الاكادمييين الخاملين قصيري النظر . ج ـ ملاحظات : مثل جميع المشتغلين بحقول النشاط الانساني ، تتكون مع استمرار او بدء اعمالهم بعض اشكالات لصالحهم او عكس ذلك .. وفي الرواية تنوجد مثل هذه الحالات ، منها : ((الرواية لا تقيم حدودا بين مخلوقات الواقع ومخلوقات الذهن ، الحيوانات والناس لهم ذات الرتبة من الاهمية لدى صناعة الشخوص من قبل الروائية ، اختلاط الروي بين السارد العليم والسارد المضمر ما بين مسار الرواية والملف ، في أوراق مبعثرة متداخلة مع سير الرواية وخطها السردي)) .
ثامنا : طاقات التأويل
كناقد هابرماسي ـ نسبة الى يورغن هابرماس ـ أجد أهمية خاصة لطاقة التأويل في الرواية ، فقابلية الروائية جيدة وللغتها ايقاعات تداولية مؤثرة ، عوضنا عن كونها