•إشارات وملامح سريعة:
ـــ الرواية صدرت 2019 عن دار (ن) للنشر والتوزيع
ـــ من الواضح أن الكاتب قام برسم خريطة للرواية, ثم شرع في كتابتها, فور اختمار الفكرة في ذهنه, لم يتركها لكي تكتب نفسها, كما يحدث في الغالب, أو تبني هيكلها, تركها فقط لكي تملأ فراغاتها وتفاصيلها الصغيرة, وقد تطرأ فكرة استباق, أو استرجاع, أو تضمينات أو تناصَّات…, وهي أمور لاتخضع للتخطيط الأولي للرواية, بل لا تكون في الحسبان أصلا عند البداية.
ـــ أخذتنا الرواية مباشرة إلى المكان ـــ موضوع الرواية, في رومانيا, بوخارست, منطقة بران, على هضبة عالية ساحرة, في نعومة وسلاسة لغوية.
ـــ التقط الكاتب موضوع الرواية, حينما دخل وسام عبد العزيز قلعة دراكولا, هو وعشيقته روكسانا, وفي أحد فنادقها, يجد نفسه بالصدفة سينام على السرير الذي نام عليه تشاوشيسكو, الطاغية الروماني, في الغرفة التي كانت مخصصة له, فيتساءل ” كيف أنام على فراش طاغية ؟”, فتتطور من فكرة, ثم عنوان, ثم رواية, ووسام كاتب روائي أصلا؛ وقادم من استلام جائزة الشيخ زايد, فتصبح هذه العبارة هي أيقونة الرواية, والمعني الذي ستنبني عليه أحداثها ومفارقاتها, والمفارقة الرئيسة, السطحية أو المؤقتة, هنا ستكون بين “وسام” لمجرد نومه على السرير الذي كان ينام عليه الطاغية, والطاغية نفسه.
ـــ تتطور هذه المفارقة, لتصير مجموعة من المفارقات, الغريبة, والشيقة, جاءت كتقنية خاصة بالرواية, نسجها خيال الكاتب ببراعة, موظفة بحرفية مُتقنة, ” يظهر لنا الكاتب وكأنه يعرف ماذا يريد, وإلى ماذا سيصل”, وربما هي التي دفعته لكتابة رواية: تبدو اجتماعية, عبثية, أبطالها يعيشون في ملهاة, في الظاهر, لكن باطنها أعمق من ذلك, فقد عالجت قضايا اجتماعية وسياسية, نعيش فيها, هذه المفارقات شكَّلت جسد الرواية, من خلالها استطاع الكاتب/ السارد أن يقول كل مايريد, إسقاطات واستدعاءات سياسية واجتماعية, جاءت في سرد فني, ومعالجة درامية, بعيدة عن المباشرة, بعيدة عن الفجاجة, تأخذك الرحلة معها, مفارقة بعد أخرى, فتتصور أنها ستقف عند هذا الحد, لكنك تكتشف أنك دخلت في مفارقة جديدة, اختصرت حياتنا الاجتماعية والسياسية.
ـــ توظيف الرمز بين الطاغية الحاكم/ الطاغية الزوج, والتخفي وراء عنوان المقال الذي أثار الجدل, وفتح الشهية للبوح والفضفضة, بوح النساء المأزومات, في سخرية مَخْفية, ونقد اجتماعي, انتقاد السلطوية, بكل أشكالها, وبذخ بعض فئات المجتمعات, العربية تحديدا, عشرة سجائر (غوركا بلاك دراجون) ثمن سيارة صغيرة, النَّفَس بمئة دولار!!… فكما أن هناك رواية المهمشين, نستطيع أن نطلق على هذه الرواية رواية المترفين!
ـــ كل مفارقة تضمنت معلومة من نفس أجوائها, جاءت لتؤكد ماتريد أن تقوله صاحبة الرسالة, فكل رسالة كان بطلها امرأة: مرة مع قانون الحسبة, والتفريق بين وسام ونادين/ ومرة الاستشهاد بيزيد ابن معاوية الحاكم الفاسق وحديث ابن كثير/ ومرة مع رمسيس الثاني, كان ملكا عادلا بين زوجاته/ ومرة مع قصة آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون.
ـــ في كل ركن اجتماعي تكمن رسالة سياسية.
ـــ انهالت الرسائل/ المفارقات, على وسام عقب نشره مقالا بعنوان ” على فراش طاغية”, وكأن هذه الكلمة ” جاءت على الوجيعة” كما نقول, فراحت أكثر من امرأة تستخدمه, لصالحها, ولوجيعتها ” إلى أن تظهر المفاجأة في النهاية !!”, فقد حرص الكاتب/ السارد على التعتيم, لعنصر التشويق, وإتاحة أكبر مساحة لتستطيع الرواية إشباع قضيتها, فالرواية ترمي لما هو أبعد من سامي ونادين وعلياء وروكسانا وغيرهم…
ـــ ( امرأة صنعت لك رغيف السعادة من قمح وجنتيها) ,( كان عليَّ أن أُجهض جنين حبك قبل أن يلتصق برحم أحلامي), ( قلتُ لك من قبل أنك مثل موج البحر, لك قدرة خطيرة على غسل شواطئ روحي )
تتناثر هذه العبارات بتلك الصياغة الفنية/ الشاعرية للكاتب هشام فياض على مدار الرواية.
حتى الحوار, يأتي في لغة شاعرية, فنحن مع أبطال مثقفون:
ـــ لماذا ياوسام صوبتَ بندقية بَوحك نحو يمامة حزني؟, ألم يحن الوقت لكي تسحب جيش أشواقك وتغادر أرضي بلا تفاوض؟)
ـــ استرجاع الذكريات مع لحظة الرجوع بالسيارة للخلف ” مارشيدير” ” نموذج من لمحات الرواية الرمزية.
ــ السارد يمزج, أو يقارن بين الثورة في رومانيا, ميدان الجمهورية, عام 89, والثورة في مصر ميدان التحرير 2011, كما يقارن بين زوجة شاوشيسكو وزوجة مبارك, وتداخلت إلينا زوجة شاوشيسكو, مع ماكبث أكثر نساء مسرحيات شيكسبير شرًا, ربما الرواية قامت على المفارقة, وكانت أهم جمالياتها البنائية.
ـــ حينما يأتي موعد اللقاء الحميمي في الرواية, إذا جاء وكان له لزوم!, فسوف يقدح الكاتب/ السارد ذهنه وخياله وأعصابه, لخلق أبدع مشهد يعبر عن/ يجسد الموقف, وغالبًا لن تجد مشهدًا جنسيًا يتشابه مع مشهد لكاتب آخر, في رواية أخرى, فهنا يتجلى الذوق الحسي واللغوي, ولابد أن تُحلق اللغة ( …ونثرت شمع جسدها المتوهج الذي قارب على الانصهار فوقي, اختلط الأمرُ عليَّ, وأصبحتُ لا أعرف من الذي احترق أولا, الشمع أم الفتيل…)
ـــ عنصر الإدهاش/ الدهشة, توفر في الرواية بقدر كبير, كما بثتْ رسائل كثيرة بطريقة غير مباشرة, والحبكة الدرامية, وتلك من أهم خصائص الرواية.
ــــ كم الرسائل “النسوية” المقهورة, من “سي السيد “, التي جاءت على مدار الرواية, تتكشف لنا في آخر سطورها, نادين زوجة وسام ” الطاغية الزوج” كانت معه في محادثة مُجهَّلة, كما جرى مع كل الرسائل على الماسنجر, وفجأة؛ تدخل عليه, ومعها صينية عليها كوبان من الشاي وطبق من كحك البرتقال “الذي يحبه”:
ـــ هل تسمح لي بأن نُكمل حوارنا حول الرسائل التي وصلتك.. هنا, وجهًا لوجه؟
ـــ إذاً أنتِ صاحبة الرسائل.
ـــ نعم وأنت الطاغية ياوسام.. لقد قررتُ من اليوم ألا أعيش على فراش طاغية.. من فضلك طلقني.
لاحظ إنسانية وحنان نادين, تدخل ومعها أشياء يحبها, زوجها الذي لم يسعدها يوما واحدا, كوبان من الشاي وليس كوبا واحدا, دلالة على استعدادها للجلوس في حوار, وجها لوجه, مع اصرارها على نفض الكابوس عن كاهلها.