*ترجمة الأعمال الأدبية الغربية دون غربلتها جاءت لكسر كل “التابوهات” التي يحرمها الدين.
أدب الحانات سلعة رائجة لها جمهور خاص يتلذذ بالمشاهد الجنسية التي يدرجها الروائي ويختار بطلاته من الناهدات ويخلق عالما في وقته المظلم ويبرز مايدور فى الجهة المظلمة من المجتمع
مابين الفضيلة والرذيلة نجد الواقع المر الذي يعتبر من التابوهات
سؤالنا :هل لتكسير التابو سبب في بروز أدب الحانات؟
وهل جمهور هذا الأدب هم من الفضوليين أم ممن جربوا حياة الظلام؟
نستضيف في منتدى المسار الثقافي الروائيين دريس بن حديد وبختي ضيف الله و لويزة موهوب والناقد د.مسعود ناهلية من الجزائر و ضيف الشرف الكاتب مهاب حسين مصطفى من دولة مصر الشقيقة
الكاتب مهاب حسين مصطفي
توظيف الجنس في الأدب فضح
لسادة العبودية والدرهم وساكني قصور العربدة الغرب، وتبعية الشرق
—–
تطرق الكاتب مهاب حسين مصطفي في بداية مداخلته إلي لعنة الجنس والتشدق بالفضيلة، وقال أنها آفة مجتمعاتنا العربية مشيرا إلى الازدواجية والنفاق والتواطؤ مما جعل كتابنا يوظفون الجنس لفضح سادة العبودية والدرهم وساكني قصور العربدة، وأثرياء وساسة المجون والفجور والشذوذ، المتستر بعباءات الدين والدفاع عن الأخلاق والوطن.
واستدل في مداخلته بالقاص يوسف إدريس في( بيت من لحم) حيث وظف الجنس لفضح تواطؤ المجتمع ونفاقه، وحالة اللاسلم واللاحرب في ذاك الوقت!.
وايضا ما تناوله الراحل نجيب محفوظ في( ثرثرة فوق النيل)، قال المتدخل أن الكاتب نجيب قد تنبأ بالنكسة حين عرى صفوة المجتمع، وكشف انحلالهم ووجوههم الحقيقية.
ؤايضا الطيب صالح في (مواسم الهجرة).
قال ضيفنا مهاب ان الجنس كان مسوغا لالتقاء الشرق بشبقه وحضارته المشبعة بالعادات والتقاليد الموروثة، وبين الغرب بتحرره وتجرده من كل التابوهات والواجهات المزيفة.
الروايات التي يتبنى مؤلفوها الشذوذ، تلقى ترحيبا غير مسبوق، ويتم وضعها في الصدارة.
كذلك الشعر الذي يناطح الذات الإلهية، وينزع عنها القداسة، ويخاطب الذات الإلهية كإحدى معطيات الكون، ويخلع عنها رداء القداسة، يُحتفى بها في الأوساط الأدبية. وتحصد الجوائز في المنتديات الثقافية.
ولكن من الإنصاق، رصد علاقة كراهية واضحة بين الوسط الأدبي بأطيافه المختلفة، وبين سلطة الدين وتسلطه من خلال مؤسساته، واصطدامهم أكثر من مرة.
ولا ننسى كتاب يوسف ادريس “فقر الفكر وفكر الفقر”.
وتحدي فضيلة الشيخ الشعراوي له وللكاتب توفيق الحكيم في مناظرة علنية.
تحطيم تابوهات الجنس والدين وتجاوزهم، هو جواز سفر للعالمية.
وليس ببعيد جميع أفلام الغرب المصنوعة حاليا، تصوغ لنا زواج المثليين، بلا أي غضاضة، ليهضمه الجميع، دون أن تنتابهم أي غرابة أو رفض!.
الجنس إحدى مكونات حياتنا، التي لانستطيع إغفالها فى بناء عالمنا القصصي أو الروائي، وإلا أهدرنا فرصة فك رموز الكون، وفك ألغاز الإنسان في سعيه الحثيث على الأرض.
أي كتابة تبرز الجنس لذاته، طلبا للشهرة أو المال، ليست أدبا.
أما التمادي في الوصف الجنسي، داخل أعمال رفيعة المستوى، قد ترضي بعض النقاد، لكنها ربما تصرف عنها، أغلبية القراء الجادين.
====
الروائية لويزة موهوب
الأديب الحقيقي يستطيع إيصال فكرته الحرة إلى قرّاءه دون مشهد جنسي واحد، و يٌجمع النقاد أن التطرق لمثل هذه التابوهات هي محاولة لنيل لقب الكاتب الجريء،
—
تساءلت الروائية لويزة موهوب عما إذا كان يصحّ إطلاق هذه التسمية أدبيا على هذا النوع من الكتابة، و التي يقابلها في عالم السينما مصطلح الأفلام الإباحية، إنها تهدف أساسا إلى زيادة الإقبال عليها بخلق جمهور خاص بها، ينكب على قرائتها، و يغرق بكيانه في تفاصيلها، تقول المتدخلة أن الحِسبة هنا تجارية بحتة حين يتعلق الأمر بالترويج عن طريق دغدغة المشاعر و استثارة الشهوات. و مهما تكن الحجج التي يرتكز عليها كتّابها، و الجرأة التي يحاولون التشبث بها كمدافعين عن حرية الكتابة و الرأي و الفِكر، تراهم ضيفتنا يبتعدون عن المعنى الحقيقي للأدب، شيئا فشيئا بالموازاة مع غرقهم في مستنقع الابتذال و تشييء المعنى.
وأضافت أنه حتى و لو عُدنا لقراءات النّقاد، الذين يطلقون مصطلحات الأدب النظيف، أو السينما النظيفة على الأعمال التي تخلو من مشاهد الجنس و الإثارة، فذلك يعني أن النقيض هو عمل غير نظيف!.
و لا يهمّ، و لا فرق بين أن يكون العمل يرتكز على معالجة البيئة المنحرفة أخلاقيا مثل بيوت الدعارة، أو لدى طبقة راقية مع وصف مشاهد جنسية غرائزية بين متحابين، فالكاتب يحرص على تفاصيل ترغم القاريء على المتابعة تحت تأثير رغبة الاكتشاف و التسلية،
إنه جزء من سيطرة التفاهة على كل المجالات في حياتنا،الذي تحدث عنه الفيلسوف الكندي ( ألان دونو) في كتابه ” نظام التفاهة”. لأننا لا نجد هذه الكتابة تمرر للجمهور رسالة إنسانية واضحة، أما الأديب الحقيقي فيستطيع إيصال فكرته الحرة إلى قرّاءه دون مشهد جنسي واحد، بل يٌجمع النقاد أن التطرق لمثل هذه التابوهات و محاولة نيل لقب الكاتب الجريء، إنما هدفه حجز مكان تحت الشمس بين طبقة الأدباء بالظهور بمظهر متحرر الفكر ، تحت عنوان: الأدب مرآة المجتمع.
=======
الناقد د.مسعود ناهلية
حيح أن أدب الحانات هو موضوع رائج ويتناوله الأدباء بمنظورات مختلفة ويتلقاه القراء والتقدير بحساسسة معينة انطلاقا من توجهاتهم الفلسفسة والفكرية.
—–
قال الناقد مسعود ناهلية أنه هناك من يرغب في نقد المجتمع حتى يقلص من ظاهرة الإنحراف، أو أدب الحانات وهناك من يروج للظاهرة لكشف حالات نفسية فردية عند هذه الشخصية أو تلك. وهناك من يمارس هذه الكتابة أو القراءة بتلذذ بأسباب ذاتية لا داعي للخوض فيها.
ويمكن أن نقرأ قصة جوار الله وقصة سمارة الامير أوالقاهرة الجدية أو زقاق المدق لنجيب محفوظ لندرك مفهوم توظيف الجنس في القصة القصيرة أو الرواية لنتوصل إلى فكر نجيب محفوظ الإجتماعي.
—
الروائي دريس بن حديد
لنا في حادثة عين الفوارة مثالاً حياً لطالما أثار الجدل ورجوعاً إلى موضوعنا ومن وجهة نظري هناك مبالغة في استنكار تناول الجنس في الروايات
—
إن المنجز الروائي الجزائري لايزال يستحق الكثير من الدراسة والتشريح فهي تمثل كتاباً مفتوحاً على حياة الجزائريين، تلك الحياة التي تنتمي لرقعة جغرافية لها مميزاتها وخصائصها الإجتماعية والسياسية والثقافية والتاريخية حيث ينتمى إلى مجتمع محافظ جعل الإبداع يخضع لتابوهات كبحت جماح الكاتب الجزائري حيث لا يسمح له بقول كل شئ فنجده يستبعد الكتابة عن الجنس مثلاً رغم أنه محاكاة للواقع ليس إلا فهو يخاف أولاً أن يُتهم بأن له دوافع ذاتية أو أنه يعاني من الكبت وهنا يتبادر إلى ذهني ذلك التبادل للإتهامات بين من يشجع هذا الفعل الإبداعي وبين من يستنكره، فنجد الطرفين ينعتان بعضهما بالمكبوتين والسؤال هنا من المكبوت ؟هل هو الذي يتناول مواضيع الجنس ويشجعها بحجة الانفتاح وكسر التابوهات ؟
ليس في الأدب فحسب إنما في كل المجالات خاصة الفنية منها وبين من يمنع الإبداع فيه وتلقيه ولنا في حادثة عين الفوارة مثالاً حياً لطالما أثار الجدل . ورجوعاً إلى موضوعنا ومن وجهة نظري هناك مبالغة في استنكار تناول الجنس في الروايات ذلك عكس تناولها في إبداعات أخرى وأقصد هنا الأفلام والمسلسلات والمسرحيات ذلك أن جمهور هذه المجالات واسع جداً ومتنوع بين راشدين وقاصرين عكس ادب الرواية، فهو أقل انتشاراً وأقل جماهرية ، ولهذه الأسباب، لا أجد حرجاً في التعاطي مع هذا النوع من الأدب شرط أن يقتصر حضور الجنس في الرواية على مواقف وأحداث ثانوية أو ظرفية وليست صوراً إروتيكية وبورنوغرافية بالمعنى المستقل والمتعارف عليه إنما وكما أسلفت هي ضرورات تفرضها أحداث تقع في مواقف داخل الرواية ولا تبنى عليها الرواية ولا يجب على الكاتب أن يُسرف في التخيل وأن يكون حريصاً على إيجاد وسائل تثير إنتباه القارئ فلا يلجأ للحديث عن الجنس وأن لا يتناوله بالمعنى البيولوجي الطبيعي الملموس المجرد من الإحساس الذي يولده الحب وهنا وجب إعطاء مثال عن الكاتبة الفرنسية (كاثرين مايي) التي تتحدث عن حياتها الجنسية كأيّة ممارسة أخرى، كممارسة لم تعد لها أية علاقة بالرغبة. وهي تعلن أنها تعدّد من شركائها الجنسيين، على نحو يجعلها لا تتمكّن أبدًا من إشباع رغبتها ولذّتها ولا غرابة في ذلك فهي تنتمي لمجتمع منفتح لا يمتثل لوازع ديني او أخلاقي بل على العكس من ذلك فمجتمعها يطالب أدباءه بذلك، فالمجتمع على توافق مع مبدعيه ولم يضع تابوهات تمنعه من خلق أنواع جديدة للأدب بينما يتقيأ المجتمع العربي، عموماً ذلك النوع من التناول والإستهلاك فنجد ردة الفعل هذه ساهمت في إنشاء ونشأة روائيين لا حاجة لهم في تناول هذا النوع من الأدب وإن حدث ذلك سيكون ظرفياً وإستثناءً أو إضطراريا، فسرعان ما يتحرر من ذلك الالتزام بمجرد الإنتقال في السرد من الحدث الذي يستوجب احياناً التكلم والتطرق للجنس كمشاهد الحب او الاغتصب الخ.
أقول إلى حدثٍ في سياق الموضوع موضوع الرواية إذاً وجب علينا أن نعيد النظر في المصطلح ،فمصطلح الجنس هنا لا يتطابق مع حجمه في المنجز الأدبي الجزائري، فمن الأفضل والأصح أن نسميه أدب الحانات فالسُباب والشتم ووصف العملية الجنسية آو التلميح لها في قصص الحب مثلاً لا يمثل غير القليل جداً من أجزاء الرواية وهذا ما يحسب للكاتب للرواية الجزائرية وهو أنها لم تتأثر بأدب الرواية في مجتمعات أخرى مثل ألف ليلة وليلة و ادبيات الجاحظ وغيرها من المنجزات وقد أعطيت مثالاً بأدب المشرق نظراً للتقارب الكبير وأوجه الشبه العديدة بين المجتمعين المشرقي والجزائري فرغم وجود آلالاف الروايات التي تتحدث عن الحب إلا أن الجنس فيها لا يكاد يتجاوز المئة صفحة قياساً بالحجم الساعي وفي تقديري يبقى رقم مقبولا بالنظر لما سبق وحتى طريقة تناوله في تلك الصفحات لا يعدو كونه فعلاً ميكانيكياً دون الخوض في تفاصيله لا لذة ولا تلذذ فيه . من جهة أخرى وعلى سبيل التفرد والتمرد هناك كتابات أمين الزاوي فرغم تأكده من عدم تقبل المجتمع لهذا النوع من الأدب إلا أنه كتب في محاولة لجس النبض وسبر للرأي الجمعي الجزائري وكإستراتيجية للتجريب وهنا أقتبس من حواره ( لماذا ” الجنس” في مخيلة الإنسان العربي والمسلم بشكل عام إلى بعبع مخيف؟ )مجلة الأنطلوجيا عدد 15 نوفمبر 2019 .
تبقى حالات متفردة في محاولة لا أقول يائسة لتبني هذا النوع من الأدب وقد يستغرب القارئ جملة ” لا أقول يائسة” لأنني أتصور وأتوقع أن يزدهر هذا النوع من الكتابة ذلك أن الظاهرة في تناميٍ حتى وإن كان هذا النمو محتشماً بالنظر لعدم وجود قانون رقابي يمنع ذلك وبالنظر ايضا لتزايد أعداد الكتاب خاصة الشباب الذين يروا أن من حقه يسرح بخياله فينادي بضرورة الإنفتاح على ثقافات أخرى أكثر إنفتاحاً و أقل تحفظاً من أدب الحانات .
—
الروائي بختي ضيف الله.م.
ترجمة الأعمال الغربية سواء الفلسفية أو الأدبية؛ تلقفها بعض أدبائنا دون غربلتها وأدخلوها في كتاباتهم، والتي جاءت لكسر كل “التابوهات” التي يحرمها الدين.
—
وختم المتدخل بختي ضيف الله هذه الندوة الثقافية في عددها الثالث عشر أن الدراسات الأنثروبولوجية تبين أن لكل مجتمع ثقافته التي تميزه عن بقية المجتمعات، بقواعد بناها عبر العصور واتفق الجميع على احترامها وتطبيقها، متمثلة في الدين والفكر والتقاليد وغيرها، أكسبته أساليبه في الحياة وذوقه الأدبي والفني وقراءته للأشياء والمتغيرات.
وفدت إلى مجتمعنا كثير من المفاهيم والأفكار من خلال ترجمة الأعمال الغربية سواء الفلسفية أو الأدبية؛ فتلقفها بعض أدبائنا دون غربلتها وأدخلوها في كتاباتهم، والتي جاءت لكسر كل “التابوهات” التي يحرمها الدين والتراث، متجاهلين أسباب ودوافع تلك الروافد الغربية التي تخص المجتمعات التي خرجت منها، كمثال على ذلك رواية الأمير للكاتب (نيكولو ميكافيلي) التي عبثت بتعاليم الكنيسة.
لعل من أبرز “التابوهات” التي أحدثت ضجة بين الكتّاب والقراء، ما يعرف بأدب الحانات أو الأدب الإباحي أو بـ “تابو الجنس” كما يصطلح عليه النقاد.. بين معارض له لمخالفته الأعراف وبين مناصر له بشروط لضرورة السردية من أجل إيصال الفكرة للقارئ، و بين من لا يرى شروطا في ذلك، بل ينادي بميلاد ما يسمى بالأدب “الإيروتيكي” الذي أصبح بضاعة رائجة لا حدود لها، يلهث وراءها كثير من القراء من أجل إشباع غرائزهم الجنسية.
قد يبرر أنصاره بأنه ليس جديدا وإنما متجذر في الأدب الإنساني، لدى اليونانيين، في العصر الجاهلي، وعند بعض شعراء العصر العباسي، لكن هذا الأدب وإن دوّن على صفحات الكتب إلا أن الدين أنكره لما فيه من إفساد للأخلاق والذوق العام.
لعل في نصوص ديننا الحنيف؛ في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يعلما كيف ننضج بكتاباتنا الأدبية؛ عَلِمنا ما جرى بين يوسف عليه السلام وامرأة العزيز دون أن تتعرى الصورة في خيالنا وقد اتضحت كل المعاني. وكي تعرفوا مدى رقي أدبنا وعظمته اقرؤوا قوله تعالى:﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾/الآية 21 من سورة النساء/، أي لا تأخذوا شيئا من المهر بعد المجامعة.. وصلت الفكرة في أحسن حال، لأقدس رباط بين الذكر والأنثى، ألا وهو الزواج وليس غير الزواج.
مساء النور للجميع،
موضوع حساس وحريئ في نفس الوقت. احسنتم التحدث عنه، فالادب قبل كل شيء اخلاق ومبادئ ولابد على كل مثقف ان يتحلى بالأخلاق وبنصوص هادفة تبعث القارئ للارتقاء ولا للتعري من مبادئه واثالته،
فنحن من أمة إقرأ، وحرية الغرب لا تلزمنا ولا تناسبنا، فلهم دينهم ولنا ديننا.
تحياتي.