يعتبر محمد شكري من أهم الأدباء الذين ساهموا فى مجال الرواية فى المغرب العربي.شكرى لم يتعلم القراءة والكتابة إلا فى نهاية عقده الثاني. لمع نجمه فى الأفق الأدبى برواية الخبز الحافي ، بتعبير واضح و صادق بامتزاج سيرته الذاتية فى الرواية. عكست الرواية ما عاشه فى طفولته من البؤس والحرمان و التهميش.
ولد محمد شكري عام 1935م فى إقليم الناظور شمال المغرب. وعاش طفولة صعبة وقاسية في قريته، ثم نزح مع أسرته الفقيرة إلي طنجة 1942م. عمل وهو طفلاً صغيراً في مقهى، ثم عمل حمالًا وبائع جرائد وسجائر مهربة وماسح أحذية، وعاش في دروب طنجة حياة التشرد والانحراف. انتقلت أسرته إلى مدينة تطوان لكنه عاد وحده إلى طنجة. فى عام 1955 قرر شكرى توديع عالم التشرد والتسكع والتهريب ودخل المدرسة في مدينة العرائش إلى أن تخرج. اشتغل بعد تخرجه في مجال التعليم إلى أن حصل على تقاعد نسبي وتفرغ للكتابة، .
بدأ شكري رحلته في عالم الكتابة عام 1966 بنشر قصته الأولى “العنف على الشاطئ” في مجلة الآداب اللبنانية. توقف عن الكتابة مدة طويلة رأى فيها أن الحلم الاجتماعي المدني أو القومية العربية حلم ثقيل على المجتمع والناس والأطفال. ترجمت كتاباته إلى مختلف لغات العالم، وحولت رواية “الخبز الحافي” إلى عمل سينمائي. من أعماله: “مجنون الورد” و”الخبز الحافي” (1982)، و”السوق الداخلي” (1985)، ومجموعة “الخيمة” القصصية (1985)، و”مذكرات مع تينيسي وليامز في طنجة”.
تتعمق رواية شكري «الخبز الحافي» في عالم التابو، وتقدم علاقات إنسانية معقدة متشابكة تختلف كثيراً مع بعض الأعراف المجتمعية لدرجة أنها مُنعّت فى بعض الدول العربية، و خصوصاً فى المغرب لأنها ذكرت حقائق عارية بأسلوب جرئ جداً. و من خلال القراءة و النقد ، يهدف هذا المقال إلى تشريح التابوهات الموجودة في الرواية وتسليط الضوء على استكشاف المؤلف العميق للحدود المجتمعية وتحدي المفاهيم الراسخة أو المتغيرة و ذلك بالاعتماد على التحليل الأدبي، و سنكتشف معاً استخدام المؤلف المتعمد لمواضيع تعتبر من المحرمات تارة و من المقدسات تارة أخرى لتقديم تعليق ثاقب على الطبيعة البشرية والمعايير المجتمعية والنمو الشخصي فى هذه السيرة الذاتية. الرواية هي تصوير بارع للمعايير المجتمعية والقيود التي تفرضها على الحرية الفردية ، و خصوصاً تابوهات الدين و العلاقات خارج إطار الزواج. من خلال تطوير الشخصية المعقدة و السرد الغنى، يقدم شكري استكشافًا دقيقًا للتوتر بين المعتقد الديني والهوية الشخصية، ويلقي الضوء على التحديات التي يواجهها الأفراد في الحفاظ على إيمانهم داخل مجتمع يثبط التعبير الديني أو حتى ينبذه أو يقلل من شأنه.
1. تعقيدات المحرمات:
في «الخبز الحافي»، يستكشف شكري عددًا لا يحصى من الموضوعات المحرمة، مثل العلاقات خارج نطاق الزواج، والرغبات الجنسية، والعلاقات غير التقليدية، وتحدي الحدود التي وضعها المجتمع. من خلال تشابك هذه الموضوعات داخل السرد، يجبر المؤلف القراء على التفكير في تعقيدات الوجود البشري ومواجهة معتقداتهم المجتمعية الراسخة.
يلقي تصوير شكري الضوء على إمكانات النمو الشخصي والتمكين بما يتجاوز القيود المجتمعية.
2. الكفاح من أجل الاستقلال الجنسي:
تبين الرواية بشجاعة الموضوع المحظور للرغبات الجنسية وتستكشف كفاح الشخصيات لتحقيق الاستقلال الجنسي.
من خلال استخدام الاستعارات الدقيقة والأوصاف الحية داخل المشاهد الحميمة،و وصفه الدقيق لأجزاء خاصة جداً فى جسد المرأة ، يتحدى شكري مواقف القارئ تجاه الحياة الجنسية مع التأكيد على أهمية الاختيار الفردي.
يبني شكرى ببراعة موضوع الحب الممنوع من خلال روايات قوية تحيط بالعلاقات المحرمة، مما يجبر القراء على التشكيك في الأحكام الأخلاقية التي يضعها المجتمع على الأفراد الذين يتحدون الحب التقليدي. من خلال تقديم هذه العلاقات والتعاطف معها،يشجع المؤلف القراء على تقييم وجهات نظرهم بشكل نقدي، وتفكيك المحرمات التي غالبًا ما تكفن الحب غير التقليدي.
3. بالإضافةإلى ذلك يكمل شكرى فى سرده المحرمات الثقافية وديناميكيات الأسرة:
تواجه الرواية المحرمات الثقافية، وتظهر التوتر بين التقاليد العائلية والرغبات الشخصية. يتنقل شكري بمهارة في التوازن الدقيق بين التوقعات الثقافية والفردية، مما يحفز على تقدير أعمق لوجهات النظر المختلفة مع الكشف عن تعقيدات العلاقات الشخصية ضمن القيود الثقافية.
يؤكد شكرى على قوة الاتصال والضعف و على أهمية التواصل المفتوح والصادق كوسيلة للتغلب على المحرمات المجتمعية. داخل الرواية، تجد الشخصيات العزاء والقوة في مشاركة تجاربهم ونقاط ضعفهم، مما يؤدي في النهاية إلى النمو الشخصي والقبول.
و تتحدي الرواية المفاهيم المبنية للذكورة وتصور الشخصيات الذكورية التي تكافح ضد التوقعات المجتمعية وتتنقل في رغباتهم وعواطفهم.
يشجع تصوير شكري القراء على التشكيك في الصور النمطية المحيطة بالذكورة ويشجع على فهم أكثر تعاطفًا.
4. الطبيعة القمعية للأعراف المجتمعية:
محور استكشاف الدين كونه من المحرمات في «الخبز الحافي» هو تصوير مجتمع يفرض قواعد سلوك صارمة ويقمع التعبير الفردي. يسمح الفهم على مستوى القراء بتمييز كيف تخنق هذه المعايير بطلة الرواية، مما يجبرها على حياة مزدوجة حيث إذ تكون الممارسة الدينية مخفية، مما يهدد هويتها ورفاهيتها.
يصور شكري بمهارة الصراع الداخلي لبطلة الرواية، وتظهر معركتها للتوفيق بين معتقدها الديني المخلص ومجتمع لا يزال غير مبال للدين.
تكشف الأوصاف السردية التفصيلية عن الاضطرابات العاطفية التي تعاني منها تجارب بطل الرواية، مما يعزز فهم القراء للخسائر التي يمكن أن تتكبدها المحرمات المجتمعية في الرحلة الدينية للفرد.
تستكشف الرواية بذكاء عواقب المحرمات الدينية وتتعمق في مشاعر بطلة الرواية بالعزلة والمشقة التي تواجهها عندما لا تتمكن من التعامل علانية مع الآخرين الذين يشاركونها فكرها و سلوكها. وهكذا يفهم القراء التكلفة الحقيقية للمعيشة في مجتمع يتم فيه قمع التعبير الديني الصريح.و بالإضافة إلى ذلك
تقدم رواية الخبز الحافي أيضًا تقاطع الدين فى أدوار الجنسين.
وتتيح الفهم على مستوى القراء الكشف عن كيفية تفاقم المحرمات الدينية للتفاوتات بين الجنسين، وتقييد استقلالية المرأة وتهميشها داخل المجتمع.
من خلال تطوير الشخصية الذكية، يستكشف شكري ديناميكيات القوة الموجودة داخل المؤسسات الدينية والتلاعب بالمعتقدات الدينية لتحقيق مكاسب شخصية. يفهم القراء الطرق الدقيقة التي تديم بها هذه الديناميكيات الخاصة بالمحرمات الدينية، مما يديم دورات الاضطهاد.
5. عقدة موت أخيه.
الذي مثل موته منعرجا هاما في حياته خاصة وأن شكري يقول في رواية أن أباه هو الذي قام بقتل أخيه في لحظة غضب وهنا يكشف الكاتب عن جانب مظلم من حياته وعلاقته بأبيه هذه العلاقة الغير طبيعة التي من المفروض أن تكون بين أب وابنه حيث يعبر محمد شكري في رواية عن مدى كرهه لأبيه الذي كان يراه وحشًا وشخصا عاطلا ولا يصلح لأي عمل ويصل حد الكراهية درجة تمنيه الموت له هذه العلاقة الغير مألوفة بين الأب وابنه والتي ترجمها محمد شكري نصا أدبيا رهيبا في شكله مربكا في معانيه شكلاً منعرجًا كبيرًا في كتابته شد أليه النقاد الذين عكفوا على دراسة هذه ليسوا هم وحدهم بل حتى الباحثين في علم النفس.
خاتمة
أخيرًا، تدفع الرواية القراء إلى التفكير في السعي الإنساني الأساسي لتحقيق الوفاء والمعنى الشخصي. من خلال تفكيك المحرمات الدينية، يجسد بطل الرواية الرغبة العالمية في العيش بشكل أصيل وإيجاد إحساس بالهدف، مما يقدم انعكاسًا مؤثرًا لأهمية تبني معتقدات المرء.
تواجه رواية شكري «الخبز الحافى» المحرمات الدينية التي لا تزال قائمة في العديد من المجتمعات، وتدعو النقاد إلى التعامل مع الموضوعات المعقدة للهوية والسلطة والإنجاز الشخصي.
من خلال تصوير الدين على أنه من المحرمات يقدم شكري استكشافًا مثيرًا للتفكير للتحديات التي يواجهها الأفراد عندما تتعارض معتقداتهم مع الأعراف المجتمعية.
وبسبب الفهم الذكي لهذه الرواية، يكتسب القراء رؤى قيمة حول التفاعل بين الدين والتوقعات المجتمعية ويتم تشجيعهم على التشكيك في تلك المعايير التي تخضع للحرية الفردية وتحديها
في الخبز الحافي يكشف شكري بمهارة عن عدد لا يحصى من الموضوعات المحرمة، ويدفع حدود الأعراف المجتمعية ويتحدى معتقدات القارئ الراسخة.وعن طريق موضوعات تحرير الإناث، والاستقلال الجنسي، والمحرمات الثقافية، والصحة العقلية، وقوة الاتصال، يشجع المؤلف القراء على تقييم تحيزاتهم ومفاهيمهم المسبقة بشكل نقدي. من خلال التعامل مع هذه الموضوعات المحرمة، يفتح شكري طرقًا للنمو الفكري ويعزز مجتمعًا أكثر شمولاً وقبولًا.
المصادر والمراجع
1. محمد شكري، الخبز الحافي ،منشورات دار الساقي، لندن،ط 11 ، 2009
2. د. شوقي ضيف،تاريخ الأدب العربي،عصر الدول والإمارات-الجزائر والمغرب الأقصى- موريتانيا-السودان،دار المعارف،القاهرة،الطبعة الأولى،1995
3. زكية بن خدير،محمد شكري ولعنة خيز الحافي،مقالة منشورة في موقع هاشتاغ المغرب كما هو،في 08/02/2020
4. فريد الزاهي، مفارقات محمد شكري: بين الفضائحية والطّهرانية (مقالة منشورة في موقع ضفة الثالثة في /05/2018)
5. جميل فتحي الغمامي ، كيف دافعت رواية الخبز الحافي عن نفسها (مقالة نشرت في الموقع الجزيرة 15/08/2018)
6. المبروك لزعر، رواية خبز الحافي .. أن تكتب بالرصاص (مقالة منشورة في الجزيرة 31/05/2018)
7.فاطمة ام منورة باحثة بكلية بى تي يم الحكومية، برنتالمانا، ملابرام، كيرالا (مقال نشر فى2023-12-31)