
بعد أن يفرغ القارئ من قراءة قصص “الجرذان التي لحست أذني بطل الكاراتيه” لكاتبها الفلسطيني مازن معروف، يتوصل إلى أن راويها نشأ في زمن حرب أهلية (سكان حينا لم يكونوا من المسيحيين، إلا أن الصندوق والقديس كانا هدية من سكان الحي المقابل، الجيران الذين سترغمنا الحرب على قطيعتهم) قصة “شوبر” ص42. وبعدما كبر الراوي هاجر إلى أوروبا من دون أن تهجر ذاكرته تلك الحرب.
ربما يوجد في الواقع تطابق بين راوي القصص، وكاتبها مازن معروف الذي ولد في بيروت في العام 1978 ونشأ في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، وهو مقيم حالياً في أيسلندا. فاز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في دورتها الأولى في العام 2016 عن مجموعته الأولى “نكات للمسلحين”، وفي العام التالي أصدر مجموعته الثانية “الجرذان التي لحست أذني بطل الكاراتيه” عن دار المتوسط، وهي تتألف من عشر قصص: قصة واحدة فقط مروية بضمير الغائب هي “غاندي المالبورو” علماً أن هذا الضمير هو الأكثر استخداماً في السرد بشكل عام. وقصتان اثنتان رويتا بضمير المخاطب الأقل استخدماُ هما “كابوتشينو- هامستر” علماُ أن الروي بهذا الضمير يحيل إلى ضمير المتكلم، ولكن مع درجة أعلى من التقريع والتعنيف. أما بقية القصص، فقد رويت بضمير المتكلم ما يدل على صميمية أحداثها مع راويها الذي كان أيضاً بطلها.
قصص قاسية عن حرب أقسى
باستثناء قصة “كابوتشينو” تحضر الحرب في كل قصص المجموعة بشكل مباشر أو غير مباشر، فهي لا تضع أوزارها، حتى لو انتهت، عمن شهد مآسيها.
في قصة “سكند هاند رابت” ينتحر الأولاد الأخوة الثلاثة قفزاً من الطابق السادس هرباً من قتل محقق على أيدي جيرانهم.
وفي قصة “جلو” ينتحر الولد/ الراوي بوضع رأسه في إبريق هلام دافئ لم يجمد بعد، ولكن الأقسى أنه ما كان ليموت لولا أولاد أمسكوا برأسه بإحكام. هؤلاء الأولاد كانوا مسجونين يعذبهم أبو الراوي البيولوجي (عمو العريف) وأمه كانت تعذب أمهاتهم المسجونات أيضاً، وسبق للولد أن عذبهم وإن لم يقصد بإطعامهم بودرة الجلو المترافق مع حرمانهم من الماء.
ولعل أقسى قصة تلك التي حملت المجموعة عنوانها، وفي نهايتها يقتل الأب ابنه.
قصص متواشجة
يربط مازن معروف بين قصصه بوشائج، وكل وشيجة تحيل إلى قصة أخرى من قصص المجموعة. في قصة “سكند هاند رابت” ذكر مرتين، وفي موقعين مختلفين، ما يحيل إلى قصة “غاندي المالبورو”: (ذلك المسلح كان مذهلاً، رغم امتلاكه نصف أصابع، في طريقة استعماله للحبال والرمانات) ص10.
(ذكرتنا بالأصابع التي سمعنا أنها التحمت بقضبان معدنية انفجرت في سور مدرسة على خط تماس آخر) ص27. علماً أن الرواي نفسه ليس متيقناً من أن هذه الأصابع لذلك المسلح.
وفي قصة “كلب عيدان الكبريت” جملة تحيل إلى قصة “جلو”: (كان مثل كلب ابن العريف بأذنيه المثقوبتين دوماً بخرامة الورق) ص75.
وفي قصة “غاندي المالبورو” جملة تحيل إلى قصة “شوبر” (على غرار ما حدث في تلك المدرسة خلف خطوط التماس مباشرة، عندما انفجرت عبوة وضعت في مسكتي دراجة هوائية) ص80.
في قصة “هامستر” فقرة طويلة تحيل إلى قصة “سكند هاند رابت” وتضيف إليها معلومة لم ترد فيها وهي أن الأخوة الثلاثة (عانوا جميعاً متلازمة داون) ص90.
وفي نفس القصة إحالة إلى قصة “غاندي المالبورو” (إن أول أصابع تناولها الهامستر كانت قطعاً من عشر أصابع ذائبة على قضبان مدرسة) ص95.
وفي نفس القصة أيضاً إحالة ثالثة إلى قصة “أمعاء” (يمر بك مسعفون، وهم يدفعون أشلاء رجل وامرأة، زوجين، على شاريوت واحدة. وقعا ضحيتي تفجير، نفذه رجل يعاني متلازمة داون” ص99.
قصة “أمعاء” أيضاً يحال إليها مرة ثانية في قصة “مهنتي التي تشبه الشعر” بفقرة طويلة، ولكن الراوي هنا لم يمت الزوجين، وإنما جعلهما يفقدان (نصفيهما السفلي بانفجار، نفذه منغول كهل، بحقيبة مدرسية، كانت محشوة بشفرات الحلاقة) ص102.
هذا التواشج بين القصص يجعل من الكتاب الذي ضمها أقرب إلى متوالية قصصية منه إلى مجموعة قصصية.
—
* طبيب وكاتب سوري مقيم في السعودية.