دأب الشاعر والناقد مقداد مسعود على تفعيل مبدأ الاتصالية بين الموضوعات الأدبية ذات العلاقة الجدلية او التفاعلية وذات القواسم البنائية او المضمونية المشتركة التي يضع لها الناقد أرضية رؤيوية يحاول من خلالها مد شبكة الرؤى المشتركة بين نصين او أكثر او بين تجربتين في الشعر او السرد او غيرها.. ومن هذه النافذة القرائية الواسعة اطل على الكثير من التجارب الشعرية والسردية واقترب منها بمجساته النقدية الكاشفة ملامساً آفاقها النصية وأعماقها القصدية والدلالية وراسماً له خطا خاصاً في المقاربة النقدية وسابرا أغوار النصوص بطاقته الكشفية والتحليلية المدعومة بالمعرفة والإطلاع على المناهج والتجارب الأدبية المتنوعة..
وفي كتابه المعنون –الاذن العصية واللسان المقطوع- الصادر عن اصدارات اتحاد الادباء والكتاب العراقيين فرع البصرة لعام 2008 وبعنوان ثانوي –قراءة اتصالية في السرد والشعر- يتناول مقداد مسعود هذه المرة كتاب الف ليلة وليلة ضمن قراءته الاتصالية ويركز على فحوى الخطاب الشهرزادي الموجه الى السلطة الشهريارية متخذا من نظرية التلقي في الاستجابة والتفاعل مدخلاً للكشف عن شخصية شهرزاد المرأة او الأنثى المضطهدة الواقفة في طابور النساء القتيلات اللواتي يسفك دماءهن شهريار بعقدة الخوف من المرأة والخيانة والشك بعد ان يفض بكارتهن.. وكذلك الكشف عن شخصية شهريار ذي السلطة القامعة والقابعة في ذاتها والمقيمة في قفص المكان الواحد الخالي من النوافذ المطلة على عوالم اخرى..
ومن هذه العلاقة الصراعية الجدلية بين الشخصيتين وماورائياتهما يتمظهر النص المحكي الذي يمط الزمن –الف ليلة وليلة- ويغير بامتداده معالم المكان والزمان وبالتالي معالم الشخصية وميولها… رافداً النص محمولات ودلالات نفسية وتأثيرية عبر علاقة التلقي الاستجابية والتفاعلية ما يجعل النص قاعدة إنسانية لقبول الآخر واستقباله من باب إنساني جديد غير الباب الذي اعتاد الملك ان يدخل ضحاياه الأنثوية منه، فهذه المرة جاءت الأنثى مدججة بعدة إنسانية صادمة ومغيرة ومخترقة لجدار السلطة الصلد. وهذه العدة الجديدة هي النص المحكي عبر حكايات الف ليلة وليلة لتنتصر المرأة –الأنثى- لكل مثيلاتها وما تمثله من مجتمع مضطهد محكوم عليه بالقتل والنفي الجسدي من قبل تسلط شهريار الملك الجائر.. وبهذا تتجسد قراءة جديدة لكتاب الف ليلة وليلة غير مقرونة بتفاصيل الحكايات في جسد النص المحكي وإنما لامتداداتها القرائية والحيوية وتفاعلية التلقي بين النص الشهرزادي، بين القتيل صاحب النص المؤثر والقاتل صاحب التلقي المستجيب الى النص والمسحوب بقوة هذا النص الى أفق التوقع والتفاعل والترقب والانتظار، وبالتالي الى انسحاب حبل الزمن من يديه نحو الطرف الاول الذي يمسك الحبل بقوة النص المؤثرة وتكمن هذه الجدة عبر القراءة الاتصالية بمستويات عدة تتعلق بمحمولات النص النفسية ومن هذه العلاقة الصراعية الجدلية بين الشخصيتين وما ورائياتهما يتمظهر النص المحكي الذي يمط الزمن –الف ليلة وليلة- ويغير بامتداده معالم المكان والزمان وبالتالي معالم الشخصية وميولها… رافدا النص محملات ودلالات نفسية وتأثيرية عبر علاقة التلقي الاستجابية والتفاعلية ما يجعل النص قاعدة إنسانية لقبول الآخر واستقباله من باب إنساني جديد غير الباب الذي اعتاد الملك ان يدخل ضحاياه الأنثوية منه، فهذه المرة جاءت الأنثى مدججة بعدة إنسانية صادمة ومغيرة ومخترقة لجدار السلطة الصلد وهذه العدة الجديدة هي النص المحكي عبر حكايات الف ليلة وليلة لتنتصر المرأة –الأنثى- لكل مثيلاتها وما تمثله من مجتمع مضطهد محكوم عليه بالقتل والنفي الجسدي من قبل تسلط شهريار الملك الجائر.. وبهذا تتجسد قراءة جديدة لكتاب الف ليلة وليلة غير مقرونة بتفاصيل الحكايات في جسد النص المحكي وإنما لامتداداتها القرائية والحيوية وتفاعلية التلقي بين النص الشهرزادي والمتلقي الشهرياري، بين القتيل صاحب النص المؤثر والقاتل صاحب التلقي المستجيب الى النص والمسحوب بقوة هذا النص الى افق التوقع والتفاعل والترقب والانتظار، وبالتالي الى انسحاب حبل الزمن من يديه نحو الطرف الاول الذي يمسك الحبل بقوة النص المؤثرة وتكمن هذه الجدة عبر القراءة الاتصالية بمستويات عدة تتعلق بمحمولات النص النفسية وقصدياتها المؤثرة كما تتعلق بالمرسل والمرسل اليه عبر رسالة تمثل عملية الشد والرهان بين الشخصين على الزمن ومده وبالتالي على الحد الفاصل بين الحياة والموت.. فهي كما يقول المؤلف في اول ترقيم له بعنوان –اتصالية الحكي/ الحياة: (تحكي لتعيش.. والا حكاها سيف) وبهذا يصبح الحكي- النص وسيلة حياة وسبب بقاء إزاء الإذن العصية لشهريار الملك ولكن مع قساوة هذه الإذن ينتصر النص على الوحش السلطوي داخل شهريار لتدندن شهرزاد في اتصالية النجاة/ الحكي: (هو لديه مسرور السياف، وانا لدي الحكايا) ولكن هذه الاتصاليات بين الحكي والحياة او بين النجاة والحكي سوف تصبح مدخلا لاتصاليات اخرى كاملة في النص وقوته على التأثير وفي العلاقةالصراعية الكامنة في المرسل والمرسل اليه عبر الرسالة النصية- سبب البقاء.. مثل اتصالية الاصغاء/ الانصات باعتباره الوعاء الذي يستوعب النص ويهيئ له موضع قدم التأثير لدى المنصت او المصغي الذي كان هو اللسان الاوحد الذي تكون له الرعية اذانا صاغية ولكن فعل النص الشهرزادي جعل من هذا اللسان الاوحد اذنا صاغية ساحباً اياه من سلطته الكلامية الآمرة الى استسلامه الانصاتي التفاعلي وهذه اولى الفتوحات النفسية –النصية في رحلة النص الشهرزادي..
وتنفتح هذه الاتصالية على ثنائيات اتصالية اخرى تصب في التأثير الذي يحدثه النص في الآخر الشهرياري والتغييرات الحاصلة بعد هذا التأثير التفاعلي المستجيب بقوة التلقي.. ومن هذه الثنائيات (مرآة محدبة/ مرآة مقعرة) و(المشكاة/ النور) و(الاخلاق/ التاج) و(سواد الطبيعة/ بياض الحكي) وغيرها حتى تصل الى 35 اتصالية هي طول الكتاب وفضاؤه النصي النقدي.. ففي ثنائية الاخلاق/ التاج يرصد المؤلف حركة النص التهذيبية للملك المتلقي ويؤكد على علاقة الاخلاق مع التاج او علاقة الحكمة والمعرفة في ترويض التاج ودفعه الى منطقة التعامل الثر مع الحكمة والمعرفة لتكون بين منزلتين كما يقول الجاحظ لأنها احرى المناطق بدوام المتعة.. لذلك يربط المؤلف اخلاق شهرزاد مع طرح الجاحظ فيطرح عليه سؤاله: ان شهرزاد متخلقة بأخلاق التاج أليس كذلك يا ابا عمر؟ بل يعبر المؤلف الى ما بعد شهرزاد او ما تمثله من بشر مخبوئين في اللسان او في الحكاية.. وصفهم بأنهم جنود مجهولون يدعمون شهرزاد ويمدونها بالقوة على الحكي ومغالبة النوم اولئك الذين –تصدقوا بأسمائهم واكتفوا بمجهولية الاقامة في حكاية ما- ثم لتمتد شهرزاد الانثى صاحبة النص الى فضاء شهريار النفسي محاولة تقويضية او افراغه من مكوناته الوحشية لاملائها بمكونات انسانية اخرى كما يقول جاك دريدا –انه يتعلم من الآخر- ولتصبح وظيفة شهرزاد فعل مقاومة لسلطة شهريار ولكنها ليست مقاومة تريد السلطة وانما مقاومة اصلاحية بقائية تغييرية من الداخل الشهرياري بفعل سلطة السرد وقوة الحكمة والشعر أي بفعل قوة النص وقدرته على التوغل في مساحة التلقي الشهرياري وصولا الى تخليص شهريار من ذاته ومن حالة الفرد المستبدة..
وكما يقول فوكو –ان فهم الغريزة الجنسية بصورة واعية اهم من الفعل الجنسي- فقد اوصلت شهرزاد عبر النسغ الحكائي الصاعد الى شهريار رسالة تعليمية وتهذيبية لتخرجه من بئر الجنسانية الممزوجة برهابية الدم وطرحت أمامه لغة تخاطب المرأة –كشجرة وارفة- وتخرجه من فكرته او اناه البئرية التي تصور له الزواج سلطة قامعة وقاتلة للمرأة وليست فرصة للانفتاح كما يقول روجيه غارودي.. من هنا صار على النص الشهرزادي ان يفعل اللغة الى اقصاها باعتبار اللغة –كما يقول ادوارد سابيرو- اداة قادرة على تشغيل سلسلة من الاستعمالات النفسية وتدفقها لا يتماثل مع تدفق المحتوى الداخلي للوعي فقط بل يماثله على عدة مستويات.. فصار على النص الشهرزادي ان يلحق بأجنحته اللغوية ازاء الوعي الممسوك بقوة البطش والانتقام لدى المتلقي الاوحد.. وهذه الصفة ما تؤكده اتصالية البطش/ الاجنحة لدى المؤلف..
واستعانته بنظرية ايكو في العلاقة بين المدار والتنظير حيث تتقلص مستويات الحكاية عبر انساقها الثلاثة في المدار اما في التنظير فتتسع الحكاية وتتوارث شخصها المؤلف مستويات السرد عبر ذكر السارد الاول للحكاية ضمن العتبة ما قبل الليلة الاولى وصولا الى السارد الثاني (يمكن اعتباره ساردا ضمنياً وهو والد شهرزاد) على اعتبار ان هناك علاقتين بالسرد الاولى بين السارد الاول والسارد الثاني شهرزاد وابيها والثانية هي فضاء الحكي الشهرزادي ضمن حكايات الف ليلة وليلة.
ثم يصل الى ثنائيةاو اتصالية الصباح بالكلام المباح على اساس ان السارد الاول يجعل من هذه اللازمة قنطرة تمتد بين الليلة الفارطة والليلة المقبلة وان وراء هذه اللازمة النصية يكمن سر الحكايات وسر القصد وهو الصراع الانثوي الذكوري عبر الزمن فتصبح هذه اللازمة نصية زمنية انقاذية وذلك عبر ما تخلقه من استجابة مضاعفة لدى المتلقي الضمني.. كما يؤكد المؤلف لانها تلهب شوقه وفضوله لما سيكون حيث كانت رسالة النص الشهرزادي تتجلى وتتفاعل بمستويين الاول هو المد الزمني والثاني هو المسار التغييري لدى التلقي الشهرياري.. لان الندين او (العدوين) الحاكي والمحكي له يتواصلان الى ما يشبه الهدنة النصية والزمنية كما يشير السارد الاول (ثم انهم باتوا تلك الليلة متعانقين) ص11 وهذا انتصار على ثيمة النفور والحقد والجريمة المضاعفة التي يرتكبها شهريار بحق الجسد الانثوي اغتصاب البكارة زائدا اغتصاب الحياة من الجسد.. فسكوت شهرزاد عن الكلام المباح بعد ان يدركها الصباح يعني ان للنص بقية وان للزمن مطا وللمتلقي تأثيراً وتغييراً قادما.. وهذا ما يميز شهرزاد عن النساء السابقات بأنها أنثى زائد معرفة زائد قدرة تغيير السلطة القامعة بواسطة سلطة النص وسلطة التلقي وهذا ما يقودنا اليه المؤلف مقداد مسعود وهو اتصالية الضوء الشهرزادي بالظل الشهرياري ومن ثم الى اتصالية المرأة/ النافذة وهي اتصالية مهمة للتعبير عن تأثير المكان المنزاح في شخصية شهريار وانتشاله من مكانه المقيم فيه وذاته القامع فيها الى فضاء النافذة وليس انغلاق المرأة أي انها –شهرزاد- هشمت مرايا الانغلاق الى نافذة الانفتاح وتكمن اهمية هذه الاتصالية برصد الانعطافة النفسية في ذات شهريار وتغييره بواسطة اداة الحكي وتقويض ما هو سائد عند شهريار والفرق كبير بين النافذة والمرأة.. فالعالم يمكن ان يرى من كوة نافذة وان كانت صغيرة في حين ان المرآة ذاتية لا يمكن رؤية العالم منها.. أي ان شهريار انكشفت له عبر النوافذ الشهرزادية عوالم كانت خفية عليه.. شوارع ومكانات جديدة أي ان شهرزاد اخرجته من وحشيته المكانية ان جاز التعبير.
وهنا تكمن قوة التفاعل والكشف الاتصالي عند المؤلف ورصده التغيير على مستوى المحمول النفسي وقوة التاثير النصي بواسطة مساحة التلقي وجمالياته.. بين ذاتية التعبير وذاتية التلقي.. وفي اتصالية القدرة/ الاجهاز يصل المؤلف الى ذروة فاعلية التلقي ضمن مسار النص الشهرزادي على الاخفاء وكسر افق التوقع وخلق مساحة الترقب لمط الزمن هي التي تبقي على حياة شهرزاد المتحصنة بقدرة النص على خلق الاستجابة المصعدة عند شهريار التي تمنعه من الاجهاز على حياة شهرزاد لانه غير قادر على التنبؤ بما يؤول اليه النص الذي يحمل نهايات غير معروفة تحتاج الى تأمل ومشاركة المتلقي في فضاء هذا التأمل ما حوّل شهرزاد من انثى قتيلة الى نص مفتوح على فضاء التلقي وان كان هذا التلقي شهريارها… أي يقع على حافة الحياة والموت، وبالتالي فأن النص او الحكي الشهرزادي ستكون رسالته الأخيرة هي الخلاص، وبهذا يوصلنا المؤلف مقداد مسعود عبر اتصالياته في قراءته الجديدة لكتاب الف ليلة وليلة الى ان خلاصة هذا الكتاب تعتمد على التلقي والاستجابة وقبلها قوة النص على التاثير من خلال التفاعل لدى المتلقي تتغير كثير من الامور والمصائر والكوامن النفسية وتنزاح كثير من المفاهيم والازمنة والحيوات.. لتنتصر الانثى بجماليات النص حين يصبح هذا النص خلاصاً..
وفي كتابه المعنون –الاذن العصية واللسان المقطوع- الصادر عن اصدارات اتحاد الادباء والكتاب العراقيين فرع البصرة لعام 2008 وبعنوان ثانوي –قراءة اتصالية في السرد والشعر- يتناول مقداد مسعود هذه المرة كتاب الف ليلة وليلة ضمن قراءته الاتصالية ويركز على فحوى الخطاب الشهرزادي الموجه الى السلطة الشهريارية متخذا من نظرية التلقي في الاستجابة والتفاعل مدخلاً للكشف عن شخصية شهرزاد المرأة او الأنثى المضطهدة الواقفة في طابور النساء القتيلات اللواتي يسفك دماءهن شهريار بعقدة الخوف من المرأة والخيانة والشك بعد ان يفض بكارتهن.. وكذلك الكشف عن شخصية شهريار ذي السلطة القامعة والقابعة في ذاتها والمقيمة في قفص المكان الواحد الخالي من النوافذ المطلة على عوالم اخرى..
ومن هذه العلاقة الصراعية الجدلية بين الشخصيتين وماورائياتهما يتمظهر النص المحكي الذي يمط الزمن –الف ليلة وليلة- ويغير بامتداده معالم المكان والزمان وبالتالي معالم الشخصية وميولها… رافداً النص محمولات ودلالات نفسية وتأثيرية عبر علاقة التلقي الاستجابية والتفاعلية ما يجعل النص قاعدة إنسانية لقبول الآخر واستقباله من باب إنساني جديد غير الباب الذي اعتاد الملك ان يدخل ضحاياه الأنثوية منه، فهذه المرة جاءت الأنثى مدججة بعدة إنسانية صادمة ومغيرة ومخترقة لجدار السلطة الصلد. وهذه العدة الجديدة هي النص المحكي عبر حكايات الف ليلة وليلة لتنتصر المرأة –الأنثى- لكل مثيلاتها وما تمثله من مجتمع مضطهد محكوم عليه بالقتل والنفي الجسدي من قبل تسلط شهريار الملك الجائر.. وبهذا تتجسد قراءة جديدة لكتاب الف ليلة وليلة غير مقرونة بتفاصيل الحكايات في جسد النص المحكي وإنما لامتداداتها القرائية والحيوية وتفاعلية التلقي بين النص الشهرزادي، بين القتيل صاحب النص المؤثر والقاتل صاحب التلقي المستجيب الى النص والمسحوب بقوة هذا النص الى أفق التوقع والتفاعل والترقب والانتظار، وبالتالي الى انسحاب حبل الزمن من يديه نحو الطرف الاول الذي يمسك الحبل بقوة النص المؤثرة وتكمن هذه الجدة عبر القراءة الاتصالية بمستويات عدة تتعلق بمحمولات النص النفسية ومن هذه العلاقة الصراعية الجدلية بين الشخصيتين وما ورائياتهما يتمظهر النص المحكي الذي يمط الزمن –الف ليلة وليلة- ويغير بامتداده معالم المكان والزمان وبالتالي معالم الشخصية وميولها… رافدا النص محملات ودلالات نفسية وتأثيرية عبر علاقة التلقي الاستجابية والتفاعلية ما يجعل النص قاعدة إنسانية لقبول الآخر واستقباله من باب إنساني جديد غير الباب الذي اعتاد الملك ان يدخل ضحاياه الأنثوية منه، فهذه المرة جاءت الأنثى مدججة بعدة إنسانية صادمة ومغيرة ومخترقة لجدار السلطة الصلد وهذه العدة الجديدة هي النص المحكي عبر حكايات الف ليلة وليلة لتنتصر المرأة –الأنثى- لكل مثيلاتها وما تمثله من مجتمع مضطهد محكوم عليه بالقتل والنفي الجسدي من قبل تسلط شهريار الملك الجائر.. وبهذا تتجسد قراءة جديدة لكتاب الف ليلة وليلة غير مقرونة بتفاصيل الحكايات في جسد النص المحكي وإنما لامتداداتها القرائية والحيوية وتفاعلية التلقي بين النص الشهرزادي والمتلقي الشهرياري، بين القتيل صاحب النص المؤثر والقاتل صاحب التلقي المستجيب الى النص والمسحوب بقوة هذا النص الى افق التوقع والتفاعل والترقب والانتظار، وبالتالي الى انسحاب حبل الزمن من يديه نحو الطرف الاول الذي يمسك الحبل بقوة النص المؤثرة وتكمن هذه الجدة عبر القراءة الاتصالية بمستويات عدة تتعلق بمحمولات النص النفسية وقصدياتها المؤثرة كما تتعلق بالمرسل والمرسل اليه عبر رسالة تمثل عملية الشد والرهان بين الشخصين على الزمن ومده وبالتالي على الحد الفاصل بين الحياة والموت.. فهي كما يقول المؤلف في اول ترقيم له بعنوان –اتصالية الحكي/ الحياة: (تحكي لتعيش.. والا حكاها سيف) وبهذا يصبح الحكي- النص وسيلة حياة وسبب بقاء إزاء الإذن العصية لشهريار الملك ولكن مع قساوة هذه الإذن ينتصر النص على الوحش السلطوي داخل شهريار لتدندن شهرزاد في اتصالية النجاة/ الحكي: (هو لديه مسرور السياف، وانا لدي الحكايا) ولكن هذه الاتصاليات بين الحكي والحياة او بين النجاة والحكي سوف تصبح مدخلا لاتصاليات اخرى كاملة في النص وقوته على التأثير وفي العلاقةالصراعية الكامنة في المرسل والمرسل اليه عبر الرسالة النصية- سبب البقاء.. مثل اتصالية الاصغاء/ الانصات باعتباره الوعاء الذي يستوعب النص ويهيئ له موضع قدم التأثير لدى المنصت او المصغي الذي كان هو اللسان الاوحد الذي تكون له الرعية اذانا صاغية ولكن فعل النص الشهرزادي جعل من هذا اللسان الاوحد اذنا صاغية ساحباً اياه من سلطته الكلامية الآمرة الى استسلامه الانصاتي التفاعلي وهذه اولى الفتوحات النفسية –النصية في رحلة النص الشهرزادي..
وتنفتح هذه الاتصالية على ثنائيات اتصالية اخرى تصب في التأثير الذي يحدثه النص في الآخر الشهرياري والتغييرات الحاصلة بعد هذا التأثير التفاعلي المستجيب بقوة التلقي.. ومن هذه الثنائيات (مرآة محدبة/ مرآة مقعرة) و(المشكاة/ النور) و(الاخلاق/ التاج) و(سواد الطبيعة/ بياض الحكي) وغيرها حتى تصل الى 35 اتصالية هي طول الكتاب وفضاؤه النصي النقدي.. ففي ثنائية الاخلاق/ التاج يرصد المؤلف حركة النص التهذيبية للملك المتلقي ويؤكد على علاقة الاخلاق مع التاج او علاقة الحكمة والمعرفة في ترويض التاج ودفعه الى منطقة التعامل الثر مع الحكمة والمعرفة لتكون بين منزلتين كما يقول الجاحظ لأنها احرى المناطق بدوام المتعة.. لذلك يربط المؤلف اخلاق شهرزاد مع طرح الجاحظ فيطرح عليه سؤاله: ان شهرزاد متخلقة بأخلاق التاج أليس كذلك يا ابا عمر؟ بل يعبر المؤلف الى ما بعد شهرزاد او ما تمثله من بشر مخبوئين في اللسان او في الحكاية.. وصفهم بأنهم جنود مجهولون يدعمون شهرزاد ويمدونها بالقوة على الحكي ومغالبة النوم اولئك الذين –تصدقوا بأسمائهم واكتفوا بمجهولية الاقامة في حكاية ما- ثم لتمتد شهرزاد الانثى صاحبة النص الى فضاء شهريار النفسي محاولة تقويضية او افراغه من مكوناته الوحشية لاملائها بمكونات انسانية اخرى كما يقول جاك دريدا –انه يتعلم من الآخر- ولتصبح وظيفة شهرزاد فعل مقاومة لسلطة شهريار ولكنها ليست مقاومة تريد السلطة وانما مقاومة اصلاحية بقائية تغييرية من الداخل الشهرياري بفعل سلطة السرد وقوة الحكمة والشعر أي بفعل قوة النص وقدرته على التوغل في مساحة التلقي الشهرياري وصولا الى تخليص شهريار من ذاته ومن حالة الفرد المستبدة..
وكما يقول فوكو –ان فهم الغريزة الجنسية بصورة واعية اهم من الفعل الجنسي- فقد اوصلت شهرزاد عبر النسغ الحكائي الصاعد الى شهريار رسالة تعليمية وتهذيبية لتخرجه من بئر الجنسانية الممزوجة برهابية الدم وطرحت أمامه لغة تخاطب المرأة –كشجرة وارفة- وتخرجه من فكرته او اناه البئرية التي تصور له الزواج سلطة قامعة وقاتلة للمرأة وليست فرصة للانفتاح كما يقول روجيه غارودي.. من هنا صار على النص الشهرزادي ان يفعل اللغة الى اقصاها باعتبار اللغة –كما يقول ادوارد سابيرو- اداة قادرة على تشغيل سلسلة من الاستعمالات النفسية وتدفقها لا يتماثل مع تدفق المحتوى الداخلي للوعي فقط بل يماثله على عدة مستويات.. فصار على النص الشهرزادي ان يلحق بأجنحته اللغوية ازاء الوعي الممسوك بقوة البطش والانتقام لدى المتلقي الاوحد.. وهذه الصفة ما تؤكده اتصالية البطش/ الاجنحة لدى المؤلف..
واستعانته بنظرية ايكو في العلاقة بين المدار والتنظير حيث تتقلص مستويات الحكاية عبر انساقها الثلاثة في المدار اما في التنظير فتتسع الحكاية وتتوارث شخصها المؤلف مستويات السرد عبر ذكر السارد الاول للحكاية ضمن العتبة ما قبل الليلة الاولى وصولا الى السارد الثاني (يمكن اعتباره ساردا ضمنياً وهو والد شهرزاد) على اعتبار ان هناك علاقتين بالسرد الاولى بين السارد الاول والسارد الثاني شهرزاد وابيها والثانية هي فضاء الحكي الشهرزادي ضمن حكايات الف ليلة وليلة.
ثم يصل الى ثنائيةاو اتصالية الصباح بالكلام المباح على اساس ان السارد الاول يجعل من هذه اللازمة قنطرة تمتد بين الليلة الفارطة والليلة المقبلة وان وراء هذه اللازمة النصية يكمن سر الحكايات وسر القصد وهو الصراع الانثوي الذكوري عبر الزمن فتصبح هذه اللازمة نصية زمنية انقاذية وذلك عبر ما تخلقه من استجابة مضاعفة لدى المتلقي الضمني.. كما يؤكد المؤلف لانها تلهب شوقه وفضوله لما سيكون حيث كانت رسالة النص الشهرزادي تتجلى وتتفاعل بمستويين الاول هو المد الزمني والثاني هو المسار التغييري لدى التلقي الشهرياري.. لان الندين او (العدوين) الحاكي والمحكي له يتواصلان الى ما يشبه الهدنة النصية والزمنية كما يشير السارد الاول (ثم انهم باتوا تلك الليلة متعانقين) ص11 وهذا انتصار على ثيمة النفور والحقد والجريمة المضاعفة التي يرتكبها شهريار بحق الجسد الانثوي اغتصاب البكارة زائدا اغتصاب الحياة من الجسد.. فسكوت شهرزاد عن الكلام المباح بعد ان يدركها الصباح يعني ان للنص بقية وان للزمن مطا وللمتلقي تأثيراً وتغييراً قادما.. وهذا ما يميز شهرزاد عن النساء السابقات بأنها أنثى زائد معرفة زائد قدرة تغيير السلطة القامعة بواسطة سلطة النص وسلطة التلقي وهذا ما يقودنا اليه المؤلف مقداد مسعود وهو اتصالية الضوء الشهرزادي بالظل الشهرياري ومن ثم الى اتصالية المرأة/ النافذة وهي اتصالية مهمة للتعبير عن تأثير المكان المنزاح في شخصية شهريار وانتشاله من مكانه المقيم فيه وذاته القامع فيها الى فضاء النافذة وليس انغلاق المرأة أي انها –شهرزاد- هشمت مرايا الانغلاق الى نافذة الانفتاح وتكمن اهمية هذه الاتصالية برصد الانعطافة النفسية في ذات شهريار وتغييره بواسطة اداة الحكي وتقويض ما هو سائد عند شهريار والفرق كبير بين النافذة والمرأة.. فالعالم يمكن ان يرى من كوة نافذة وان كانت صغيرة في حين ان المرآة ذاتية لا يمكن رؤية العالم منها.. أي ان شهريار انكشفت له عبر النوافذ الشهرزادية عوالم كانت خفية عليه.. شوارع ومكانات جديدة أي ان شهرزاد اخرجته من وحشيته المكانية ان جاز التعبير.
وهنا تكمن قوة التفاعل والكشف الاتصالي عند المؤلف ورصده التغيير على مستوى المحمول النفسي وقوة التاثير النصي بواسطة مساحة التلقي وجمالياته.. بين ذاتية التعبير وذاتية التلقي.. وفي اتصالية القدرة/ الاجهاز يصل المؤلف الى ذروة فاعلية التلقي ضمن مسار النص الشهرزادي على الاخفاء وكسر افق التوقع وخلق مساحة الترقب لمط الزمن هي التي تبقي على حياة شهرزاد المتحصنة بقدرة النص على خلق الاستجابة المصعدة عند شهريار التي تمنعه من الاجهاز على حياة شهرزاد لانه غير قادر على التنبؤ بما يؤول اليه النص الذي يحمل نهايات غير معروفة تحتاج الى تأمل ومشاركة المتلقي في فضاء هذا التأمل ما حوّل شهرزاد من انثى قتيلة الى نص مفتوح على فضاء التلقي وان كان هذا التلقي شهريارها… أي يقع على حافة الحياة والموت، وبالتالي فأن النص او الحكي الشهرزادي ستكون رسالته الأخيرة هي الخلاص، وبهذا يوصلنا المؤلف مقداد مسعود عبر اتصالياته في قراءته الجديدة لكتاب الف ليلة وليلة الى ان خلاصة هذا الكتاب تعتمد على التلقي والاستجابة وقبلها قوة النص على التاثير من خلال التفاعل لدى المتلقي تتغير كثير من الامور والمصائر والكوامن النفسية وتنزاح كثير من المفاهيم والازمنة والحيوات.. لتنتصر الانثى بجماليات النص حين يصبح هذا النص خلاصاً..