**نجيب محفوظ كاتب مدينة بامتياز وتطرقت ل12مجموعة قصصية من 1938-1984
***القصة القصيرة فى الجزائر بخير وتعرف إنتشارا وإزدهارا
————————————
على هامش الأيام الأدبية في طبعتها الثامنة بدار الثقافة بالمدية ،التقينا د.مسعود نهائلية وهو يحمل إصدارا قيما قدمه أمام طلبة جامعة المدية ،قصص الأديب المصرى نجيب محفوظ كانت محل دراسة نقدية وتشريح من قبل الناقد الجزائرى د.مسعود نهائلية من جامعة الجزائر وتم إصدار الدراسة النقدية الشاملة تحت عنوان( الموضوعاتية فى القصة العربية )..
اعتنمنا فرصة محاورته وطرحنا هذه الأسئلة
-ماهى سنوات الإبداع التى تطرق فيها الناقد إلى تشريح الأعمال؟وكيف كانت مدينة القاهرة مكانا عاما للأحداث دون غيرها من المدن المصرية؟
ومن أى المنابع استلهم الشخصيات؟ وكيف تفردنجيب محفوظ بقلمه فى القصة الواقعية وصولا إلى العالمية؟
حاورته من المدية :أ.تركية لوصيف
بصرياثا: نبارك لكم
—————-
المنجز(الموضوعاتية فى القصة العربية القصيرة)عند الكاتب نجيب محفوظ، الذي تناولتم فيه دراسة نقدية لـ ( 14 مجموعة قصصية.). لم اخترتم القراءة سوسيو-نفسية؟
د.مسعود نهائلية:- بداية أشكر مجلة بصرياثا على هذه الالتفاتة، التي تسعى للقبض على الحرمة الأدبية والنقدية في الجزائر.
أما عن نجيب محفوظ، نقول بأن نجيب محفوظ اشتهر كروائي عند الناس، وهو الأديب الذي كتب إلى جانب الرواية 19 مجموعة قصصية، امتدت كتابتها من 1938 إلى 2004 . وقد تعرضنا في كتابنا (الموضوعاتية في القصة القصيرة عند نجيب محفوظ) إلى 12 مجموعة قصصية من 1938 إلى 1984.
– وللإشارة، فقد انخرط نجيب محفوظ، منذ البداية في متابعة حركية الإنسان في مجتمع القاهرة، واستند إلى الفلسفة في التخريجات الأدبية حين اقترب من أنات الناس، وخاصة من الإنسان البسيط في همومه وأحلامه وانكساراته، ومن ثم، فإن القراءة السيوسيو- نفسية فرضت نفسها على الكاتب للقبض على الحركة النفسية من جهة، والتفاعل مع المجتمع في جانبه السيوسيولوجي من ناحية ثانية.
– وإن كانت المناهج جميعها تؤدي إلى نتائج معينة ، فإن المنهج (السوسيو النفسي ) يبدو أقرب إلى الذات المبدعة، وهي تسائل الهموم والأزمات التي يتعرض إليها الإنسان في صورته الفردية أو الجماعية. والأدب لا يبحث عن مسائل يقينية داخل النفس البشرية بقدر ما يبحث عن الحركة النفسية التي يتولد عنها هذا السلوك أو ذاك.
بصرياثا: قلتم إن رؤية
—————-
نجيب محفوظ في القصة هي ذاتها في الرواية كونه ينطلق من مناخ فكرى واحد حيال الإنسان والعالم، نريد شرحا لهذه الملاحظة.
د.مسعود نهائلية:- بدأت الكتابة عند نجيب محفوظ المقال أولا، ثم القصة القصيرة بمجموعته ( همس الجنون) عام 1938، وهي تمثل المرحلة البورجوازية، وعلى مقربة منها كانت الرواية تتخلّق في وجدانه الأدبي ، حيث ظهرت رواياته التاريخية تباعا من 1939، إلى عام 1944 وهي : “عبث الأقدار” و “رادوبيس” و”كفاح طيبة”، وذلك لمقاربة الواقع المصري بمعادل موضوعي ممتص من تاريخ مصر القديمة. ولا يمكن الفصل بين القصة والرواية عند نجيب محفوظ لارتباطهما الشديد بمراحل إبداعه وصيرورة مجتمعه في صورته الكلية، فهو يتنفس الأجواء نفسها ويعالج الهموم ذاتها، وهو يتخندق بشكل واضح في هموم الإنساني المأزوم في مجتمع مدينة القاهرة، ومن ورائها في أزمات إنسان في المدينة العربية أينما وجدت. فقصصه تتابع الأزمة الاجتماعية، والفراغ الروحي، ومطاردة الحلم. والبورجوازية الاجتماعية الطاغية لم تعط الفرصة للإنسان المقهور المهمش فرصة التعبير عن همومه في الواقع الحي، فتلقفها حس نجيب محفوظ، فتدفقت على صفحات رواياته وقصصه. ولست مع من يرى بإسقاط إنتاج نجيب محفوظ قبل ثورة 23 يوليو 1952 لاعتبارات فنية يعتقد بها.
– أما عن الأجواء السوسيولوجية والتاريخية التي غرف منها نجيب محفوظ مادته الأدبية في كل من القصة والرواية، فإنها تمتد من ثورة سعد زغلول 1919 إلى ثورة 23 يوليو 1952. ويمكن القول، بأن القصة والرواية عنده محفوظ سارتا جنبا إلى جنب، يقسمها النقاد إلى عدة اتجاهات: الاتجاه التاريخي، الاتجاه الاجتماعي، الاتجاه النفسي، الاتجاه التعبيري، أو الرمزي.
بصرياثا: استلهم الكاتب
—————–
قصصه من مدينة القاهرة وركز على المتناقضات التى تعج بها. متى تكون بيئة القاص مادة دسمة لطرح قضايا من خبايا مجتمعه؟ وهل للتأثيرات السياسية والاقتصادية تبرز ثورة الفرد ولو على مساحة ضيقة؟
د.مسعود نهائلية:- نجيب محفوظ كاتب مدينة بامتياز، فهو لا يعرف الريف، ولم يسافر خارج مصر إلا مرة واحدة في زمن عبد النار إلى اليمن. ومن ثم، فإن أدبه يعتبر أدبا محليا من حيث البيئة، فكل الفضاءات القصصية كانت بين القاهرة والإسكندرية تقريبا. عاين فيها التناقضات الاجتماعية في جدلية ثنائية غير منتهية بين المسؤول الإداري والسياسي والبرجوازي من جهة، والموظف والعامل البسيط والمخمور والمسطول والهامشي من جهة ثانية، سواء كان رجلا أو امرأة. وبين الانضباط والاستقامة المغشوشة والوجاهة والزيف من جهة والانحراف الفردي والجماعي للرجال والنساء الذين يبحثون عن حاضر أفضل بين دور البغاء والخمارات ودور العبادة من جهة ثانية. وهذه الهموم الإنسانية التي عالجها بروح أدبية عالية هي التي أهلت أدبه إلى العالمية، بعيدة عن كل تأويل سياسي.
بصرياثا: ثلاثية الراقصة
—————–
والبلطجي والحب الممنوع خلطة سحرية نراها فى السينما بفعل الإقتباس من أعمال نجيب محفوظ الدعوة لتغيير المجتمع وتنظيفه لانراها ..متى يكون الكاتب شريكا فعالا في تقديم الحلول.
د.مسعود نهائلية:- صحيح أن هذه الثلاثية حاضرة بقوة في قصص نجيب محفوظ ورواياته على السواء، غير أن الفلسفة التي يظهر بها هذا الثلاثي ( المرأة المنحرفة أو الباحثة عن السعادة خارج الأطر الاجتماعية المنتظمة، هي في الغالب ضحية أوضاع اجتماعية وأسرية، واستفزازات برجوازية أو سياسية مستغلة، مثل قصص( جوار الله، والجبار، ودنيا الله) في مجموعة دنيا الله. والبلطجي الذي يمارس الفتونة (العري والغضب) أو في خلفية قصة (الصدى)، والبلطجي المؤسساتي في الدوائر الحكومية في قصة ( قرار في ضوء البرق) وفي قصة (الجريمة)، والبلطجي الإداري مثلما تجلى في قصة (الرماد ) مع الموظف (حسن السماوي الذي يجند بلطجية من الصعيد للاعتداء على زميله برهان حتى ينفرد بالموظفة ( سحر) كنموذج للحب الممنوع، أو السطو على حرمة الآخر مستغلين حالات من الضعف البشري، مثل ما جرى مع (شلبية/ أو سمارة الأمير) في قصة(سمارة الأمير) ضاربا عرض الحائط بالخصوصيات كل الأعراف الاجتماعية، لممارسة الحب الممنوع.
بصرياثا: تعرف القصة
——————
القصيرة انتشارا كبيرا ويلاحقها القارئ العربي لأنها مفخخة كيف يفجر الناقد مسعود ناهلية القصة المفخخة؟ وهل لكم بمثال؟
د مسعود نهائلية :- كثير من النقاد تنبأوا بموت القصة القصيرة أمام زحف الرواية العارم، وربما للظهور الإعلامي اللافت لأصحابها، ولجمالية التفاصيل التي تسبح بالقارئ في أجواء كثيرة، غير أن الواقع الثقافي ينبئ بعودة القصة القصيرة إلى الواجهة رغم انكماش مساحات القراءة. وهيمنة سلطة الرواية في نظري ستتراجع أمام طبيعة القارئ الجديد العجول الذي لا وقت لديه لقراءة الأعمال الروائية ذات الطول المعتبر مما يعطي الفرصة لانتشار أكثر للقصة. ثم إن القصة القصيرة تتطلب قارئا أكثر حفرا وأكثر ارتباطا بالنص ومضمراته التي تقتضيها التقنية القصصية، ناهيك عن وحدة الأثر الذي يسرّع أهمية القصد والغاية.
– أما عن التفخيخ، فأرى بأنه ظاهرة إيجابية في القصة القصيرة، ويجب أن تنطوي القصة على حالة من الترقب لشد القارئ، ولا بأس أن تنتهي بمفاجأة غير متوقعة لكسر أفق انتظار القارئ حتى تحقق الدهشة والمتعة.
بصرياثا: كيف ترون واقع
——————
القصة فى الجزائر؟
د.مسعود نهائلية:- أولا، ينبغي أن نلاحظ بأن القصة القصيرة في الجزائر قد تأخرت عن شقيقتها في المشرق لأسباب استعمارية معروفة، لكن هذا لا يعني أنها لم تكن موجودة على الإطلاق، فقد أشار النقاد إلى البذور الأولى للقصة القصيرة الجزائرية التي تراوحت بين المقال القصصي والصورة القصصية في جرائد جمعية العلماء المسلمين وغيرها، ناهيك عن بعض أعلام الفكر والثقافة الذين جربوا هذا الفن بصفة مبكرة نسبيا، أمثال: عبد الرحمن الديسي ((لمنـاظرة بـين العلـم و الجهـل 1908))، وسعيد الزاهري (فرانسوا والرشيد 1925.) و(عائشة)، (الكتاب الممزق)) و ( إني أرى في المنام) التي نشرها في الجرائد والدوريات داخل الجزائر وخارجها و(دمعة على البؤساء 1926 ) لـ علي بكر السلامي. ومحمد العابد الجلالي الذي كتب العديد من القصص والتي نشرها في مجلة الشهاب بدءا من عام 1935. كما يشير ملفوف صالح الدين في مقال له، وقد امتزج في تقنيتها المقال القصصي بالمقالة والمقامة والصورة القصصية كما يشير عبد الله الركيبي.
– وبداية من عام 1954، التحق الشعراء والكتاب الجزائريون بقافلة المناضلين والمجاهدين، فكانت الكتابة سلاحا ناطقا. فقد سارع كتاب القصة إلى القبض على يوميات الثوار، ومعاناة الشعب الجزائري داخل الحدود وخارجها أمثال: أبو القاسم سعد الله والركيبي وأبو العيد دودو، والباهي فضلاء، والحبيب بناسي ومحمد الصالح الصديق، وأبو القاسم خمار وعثمان سعدي والطاهر وطار ، وأحمد بن عاشور، وهم الذين عايشوا الثورة ويعتبرون من مؤسسي القصة القصيرة الجزائرية المكتوبة بالعربية، والذين كانوا يغذون الجرائد والمجلات العربية، ورافقوا الثورة أدبيا بما فيها مرحلة الاستقلال، وصنعوا ذائقة جمالية غير مسبوقة في الأدب العربي.
– وما إن استرجعت الجزائر استقلالها حتى رأينا كتابا جمعوا بين القصة والرواية، وهم يمثلون مرحلة النضج الفني للقصة القصيرة الجزائرية الجديدة، أمثال: وزهور ونيسي، وعبد الحميد بن هدوقة، وجيلالي خلاص، ومصطفى فاسي مرزاق بقطاش، جيلالي خلاص، أحمد منور، جميلة زنير، محمد حرز الله، وعمار بلحسن، والحبيب السايح، عبد العزيز بوشفيرات،وعبد الملك مرتاض، وزوليخة السعودي، وباديس فوغالي وغيرهم كثير، يتناولون هموم الوطن والمواطن بتفاوت فني ، مثل: قضايا مخلفات الثورة والهجرة والأرض والمرأة . حيث اتسمت قصص هذه المرحلة بطغيان الحس الوطني والأيديولوجي. تلتها مرحلة جديدة ، تمتع أصحابها بثقافة نقدية حداثية معتبرة مثل : ياسمينة صالح ،علال سنقوقة، عمر عاشور، بشير مفتي، ، ديداني أرزقي، لخضب بوربيعة وفيصل الحمر، وفاطمة غولي و والحاج بونيف، وأحمد وعمار يزلي، جمال فوغالي، وتركية لوصيف، وغيرهم كثير. ومن ثم نقول فإن القصة القصيرة بخير، وهي في تقدم وانتشار.
بصرياثا : ما بين قبول أو
—————–
رفض استخدام اللهجة المحلية في حوار الشخصيات ببعضها، لوحظت بشدة في الكتابات المصرية. هل ترونها بدافع هوية القصة و الرواية؟
د.مسعود نهائلية:- ظاهرة العامية في القصة والرواية قديمة ، تعود بتاريخها إلى بداية القرن العشرين، حيث ساد الجدل حولها، فانقسم النقاد إلى فريقين: تبنى فريق العامية في القصة والرواية حين تكون على ألسنة العوام والفلاحين، لأن العامية هي لغتهم اليومية، ولا تصنع في أحاديثهم، ويرون بأن الدارجة تنطوي على طاقات تعبيرية، قد لا نجدها في الفصحى، وهو ما أشار إليه الجاحظ قديما.
وفريق معارض، يرى بأن الدارجة العربية دارجات. فبأي دارجة نكتب؟ بالدارجة المصرية أم بالعراقية أم بالجزائرية وغيرها من الدارجات التي لا تكاد تبين أحيانا؟ مما يجعلها عائقا في انتشار القصة والرواية، ومن ثم تضيع غايات ورسائل الكتاب. ولكن بظهور مفاهيم نقدية جديدة أعطت للدارجة حضورا إبداعيا مكن للتعدد اللغوي من الطهور وللتهجين دور في الحوارية التي قال بها بختين وتلاميذه. ومن ثم تبناها القصاصون المعاصرون بشكل واضح، ولست مع طغيان حضورها، لأنها أصبحت أيديولوجيا عند بعض الكتاب، كاعتبارها لغة الهامش، واعتبار الفصحى لغة الرسميين، حتى لا أقول أشياء أخرى.
بصرياثا:فى ختام الحوار،
——————–
ما هي القضية التي لم يطرحها نجيب محفوظ لدواعي أمنية؟
د.مسعود نهائلية :- تناول نجيب محفوظ مختلف القضايا التي تتلامس مع هموم المجتمعات العربية عامة والمصرية خاصة. وإذا كان الناس يشيرون إلى المقدس والمدنس في الفن، ويركزون على الممنوعات الثلاث: الدين والجنس والسياسة. فإن نجيب محفوظ تعرض لها بقوة في قصصه ورواياته. ولعل رواية (أولاد حارتنا) من أبرز الأمثلة التي أثارت جدلا واسعا في المؤسسة الدينية والتي سحبت من النشر، فبقيت في أسر الأدراج مدة 47 سنة. (من 1959 إلى 2006) 1952ولم يسمح بإعادة نشرها إلا بترخيص من الأزهر.